لعبت آليّة التواصل بين مجموعات الشباب التي قادت التحرك/ الثورة في مصر دوراً مهمّاً في تعزيز ثقافة وأفكار جديدة حول نمط القيادة، ودور القائد، وهذا ما سيسهم ربما في تكريس عصر جديد يقلل من أهميّة القائد والكاريزما والإيديولوجيا. وإذا ما أخذنا التجارب الثورية في أكثر من بلد حول العالم، وفي قارات مختلفة، نجد في الماضي أن المنشور أو البيان السري، والمجلة أو الكتاب المتداولين خفية، وكذلك أشرطة التسجيل المرسلة من القيادات والزعماء في الخارج، والخطباء في المساجد والساحات العامة، كانت هي وسائل الاتصال الرئيسية. بينما نحن اليوم مع "الفيسبوك" و"التويتر"، و"المنتديات" والإنترنت عموماً أمام وسائل اتصال جديدة. وفي آليات البيان السري، والمجلة، والشريط، تحدث عملية الاتصال إلى حد كبير باتجاه واحد من مرسل إلى مستقبل، بينما في الإنترنت هناك قناة حوار باتجاهين أو اتجاهات متشعبة. وهذا يعني أنّ الأداة الجديدة أكثر ديمقراطية وشفافية وترسّخ فكرة الحوار والتشاور والنديّة، لا الطاعة والاتّباع والتقديس التي تتطور في الأداة الأولى. وبحسب التسميات المستخدمة في "الفيسبوك"، فإنّ الشخص الذي يقود "الصفحة" أو المجموعة يسمى (الإداري) "admin"، وإذن فوظيفته تنسيقية، ولا يقرر منفرداً شيئاً تقريباً. وهذا في حد ذاته ذو دلالة كبيرة، فهو ليس رئيساً، أو قائداً، أو زعيماً بل هو إداري ومنسق فحسب. ومن هنا ربما نفهم لماذا كان وائل غنيم، المقيم خارج مصر، والذي ساهم بدور فاعل في الأحداث المصرية الأخيرة، يرفض مرة بعد أخرى أن يسميه أحد بأنّه القائد أو المتحدث باسم الشباب، حتى عندما طلب منه الجمهور المحتشد في ميدان التحرير ذلك، مؤكداً أنّه مجرد "admin" لصفحة "فيسبوك". وأحد قادة الثورة الآخرين الشباب سأله مذيع قناة عن أحد الوجوه المرشحة لتولي موقع الرئاسة في مصر، قائلاً إنّه يتمتع بـ"كاريزما"، فرد هذا الشاب على الفور: لا نريد رئيساً يتمتع بكاريزما، لا نريد أنّ نقيّّمه على شكله وقدرته على الخطابة والحديث والشعارات، نريد زعيماً يمكن أنّ نحاسبه ونتحاور معه، ونقيمه من خلال إنجازاته، ولا ننظر له على أنّه دون بديل. وعندما احتار غنيم هل يعلن تأييد وقف الثورة سأل الناس على "الفيسبوك" وبعد حوار تقرر المضي في المواجهة. ومثل هذا النمط من القيادة والإدارة مبشر بالتخلص من الكثير من الأمراض التي كانت تعيق تطور الديمقراطية، وتعيدنا في العالم العربي تحديداً إلى عصر ما قبل الحداثة، عصر "الأمير" كما صوّره نيقولا ميكيافيللي، سواء أكان هذا لدى قادة أحزاب أم دول، وهذا يدعو للتفاؤل بأنّ الثورة المصرية ستمضي نحو الديمقراطية. ولكن في المقابل، هناك وجه مرعب لهذا النمط من "عدم القيادة"، تحدّث عنه في مقابلة صحفية مؤخراً، الدكتور ناجح إبراهيم منظر الجماعة الإسلامية في مصر، قائلا "إن جيل «إنترنت القاعدة» الذي يستقي أفكاره الجهادية من مواقع الإنترنت التابعة لتنظيم «القاعدة» أخطر من جيل الجماعات الإسلامية بأنواعها سواء أكانت مسلحة أم غير مسلحة، بقوله إن هذه الأخيرة يمكنها توجيه عناصرها والتحكم فيهم، أما الجيل الجديد الذي يستقي أفكاره من الإنترنت فلا أحد يعرف كيف يمكن السيطرة عليه أو إعادة توجيهه". وإذا كان هناك معنى لهذا النمط الجديد من القيادة فهو أنّ من أراد أن يكون مؤثراً فعليه أن يحسن الإقناع والنقاش، وأن يثابر ويعمل، وأن يدرك أن نمط القيادة "باتجاه واحد" قد انتهى، وأنّ هذا يعني أن يبحث عن القي