هل باتت أميركا تحتل المركز الثاني بالفعل في ترتيب القوى العظمى في العالم؟ ليس بعد، لكن بعض غير الأميركيين ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها تمضي في هذا الاتجاه، وذلك كما يتبين من استطلاع آراء عالمي أجراه "مركز بيو للأبحاث". والحقيقة أن الطريقة الهزلية التي عالج بها سياسيونا في واشنطن أزمتي الديون والميزانية لا تعتبر مطمئنة بحال من الأحوال بالنسبة لهؤلاء الذين يشكّون حالياً في كفاءة حكومتنا، وفعالية نظامنا الديمقراطي الذي نوصي الآخرين أن يتخذوا منه نبراساً ونموذجاً يحتذى. ويظهر استطلاع الرأي الذي أجراه "بيو" أنه في 15 دولة من بين 22 دولة شملها الاستطلاع، عبّرت أغلبية المستطلعة آراؤهم عن اعتقادها بأن الصين ستحل -إن لم تكن قد حلت بالفعل- محل الولايات المتحدة كـ"قوة عظمى قائدة" في هذا العالم. ويقول كاتب "الفورين افيرز" المعروف فريد زكريا، إنه قد تحدث في الآونة الأخيرة مع بعض مصادره في الصين الذين أعربوا له عن دهشتهم من تأخر البيت الأبيض والجمهوريين في مجلس النواب عن البت في اتخاذ قرار بشأن أزمة الديون العامة، حتى اللحظة الأخيرة على الرغم من الأهمية البالغة لقرارهم هذا على العالم بأسره. ونتائج استطلاع الرأي المذكور لا تعني أن مواطني الدول الذين شملهم الاستطلاع يتشوقون إلى احتمال أفول نفوذ أميركا، بل الحقيقة هي أن الألمان والإسبان، واليابانيين، على سبيل المثال، لا يحبون فكرة أن تصبح الصين هي القوة الاقتصادية الأولى والقائدة في العالم. أما احتمال منافسة الصين لأميركا على صدارة القوى العسكرية في العالم، فهو احتمال أكثر إثارة للانزعاج والقلق لدى البعض. ففي اليابان والهند على سبيل المثال، نجد أن الرأي السائد هناك هو أن القوة العسكرية المتنامية للصين ليست في مصلحتهم على الإطلاق، وهو الرأي الذي تشاركهم فيه أغلبيات في دول أوروبا الغربية والشرقية، وتركيا، وإسرائيل. وفي الواقع أن المأزق السياسي المحرج الذي تبدت تفاصيله بوضوح في واشنطن إبان مناقشة أزمة سقف الديون العامة، لا يمكن بحال أن يعكس صورة خارجية عن أميركا تتسم بالاستقرار والمسؤولية. وكما قال -وعن حق- كاتب العمود المعروف "نيكولاس كريستوف" في مقالته بـ"النيويورك تايمز"، فإن التهديد الأخطر الذي يواجه الأمن القومي الأميركي هذا الصيف لا يأتي من ناحية الصين ولا من ناحية إيران ولا من ناحية أي قوة خارجية، وإنما يأتي من ناحية المكائد السياسية التي ظهرت في أوضح تجلياتها إبان مناقشة أزمة الديون، وكذلك من المناكفين الذين أداروا هذه المناقشة. على أية حال، ربما لا تكون الاستطلاعات التي يتم إجراؤها حول أي موضوع تعبيراً عن توقعات دقيقة -بالضرورة- عن المستقبل، كما أن السياسيين الذين أخطؤوا يمكن أن يتعلموا من أخطائهم ويَصْعدوا مجدداً إلى مراتب المجد، وربما لا يكون كل شيء قد ضاع بعد... ذلك لأن عظمة أميركا، كما قال الكاتب الفرنسي الشهير"اليكسي دي توكفيل" ذات مرة، "تكمن في قدرتها الدائمة على إصلاح إخطائها". جون هيوز مساعد وزير الخارجية في إدارة ريجان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"