إذا ما سُئل الأميركيون بشأن أي بلد إسلامي في الشرق الأوسط هو أكثر أهمية بالنسبة لهم؟ فإن العديد منهم قد يشيرون إلى السعودية نظراً لنفطها. وقد يشير البعض إلى مصر نظراً لأنها تمثل قلب العالم العربي... لكن الحقيقة هي أن تركيا، التي ربما لازالت تراودها ذكريات المجد العثماني القديم، تبدو مصممة وعاقدة العزم على أن تصبح أكثر بلد نفوذاً وتأثيراً في الشرق الأوسط كله؛ وقد تتجاوز بلداناً أخرى من حيث الأهمية والوزن إقليمياً، وبالنسبة للولايات المتحدة على وجه الخصوص. البعض يعتقد أن تركيا، وهي بلد مسلم غير عربي تتمتع بصورة "الإسلام المعتدل"، يمكن أن تصبح قوة مضادة تواجه الإسلاميين المتطرفين في المنطقة؛ حيث تستطيع، بشكل خاص، أن تتحول إلى قوة مضادة لإيران التي تتطلع منذ بعض الوقت إلى الهيمنة في منطقة الشرق الأوسط. وهكذا، يمكن أن تلتحق تركيا بإندونيسيا، وهي بلد إسلامي آخر غير عربي، كنموذج للدولة الإسلامية المعتدلة الناجحة. وعلى الرغم من أن تركيا كانت تنظر شطر الغرب حتى وقت قريب، إلا أنها عملت خلال السنوات الأخيرة على توسيع علاقاتها ونفوذها شرقاً داخل منطقة الشرق الأوسط. ووسط الجيشان الذي تعرفه عدد من البلدان العربية في إطار ما بات يعرف باسم "الربيع العربي"، يلقى رئيس وزرائها أردوجان استقبالاً حاراً في الغالب باعتباره مدافعاً عن الديمقراطية في البلدان التي باتت حرة اليوم، في وقت ندد فيه بقوة بالأعمال الوحشية التي تجري في سوريا حالياً. غير أن اللافت هو أن أردوجان حرص على الحفاظ على علاقة متوازنة مع إيران، حيث سعى من جهة إلى حمايتها من عقوبات غربية أشد، لكنه وافق في الوقت نفسه على إقامة درع صاروخي للناتو على الأراضي التركية موجه بوضوح إلى إيران. ومما يضع تركيا أيضاً، على ما يبدو، في موقع المساهم الممكن في تسوية المشاكل ضمن أحد أكثر نزاعات المنطقة استعصاءً على الحل، وأعني إعلان قيام الدولة الفلسطينية، هو علاقة الصداقة التي تجمعها بإسرائيل، ومن ذلك علاقات دبلوماسية نادرة بين دولة يهودية ودولة إسلامية. غير أنه في الأشهر الأخيرة، تعرضت تلك العلاقة لتوتر شديد، حيث قامت أنقرة بطرد السفير الإسرائيلي لديها. ونتيجة لذلك، تحطمت الآمال في إمكانية أن تكون تركيا مخاطباً ووسيطاً مفيداً بين المعسكرين الإسرائيلي والفلسطيني اليوم. تركيا اليوم توجد في معركة دبلوماسية محمومة مع الدولة اليهودية، بسبب قائمة من الشكاوى التي يمكن أن تفضي إلى مواجهة بحرية. فقد سعى الأتراك إلى خرق حصار بحري إسرائيلي على قطاع غزة الفلسطيني، في وقت تهدد فيه أنقرة صراحة باستعمال سفن حربية من أجل ضمان وصول المساعدات إلى القطاع المحاصر. غير أن كل هذا ما كان يمكن أن يأتي في وقت أسوء بالنسبة للرئيس الأميركي، فأوباما يخوض حملة لإعادة انتخابه، حملة يعتبر فيها دعم وتمويل اليهود الأميركيين بالغ الأهمية. وبالتالي، فإن رفضه دعم الجهود الفلسطينية الرامية للتصويت على قيام دولتهم في الأمم المتحدة، ودعمه القوي لإسرائيل طيلة هذه الجهود، تزيد من الإضرار بمكانته في العالم الإسلامي. والواقع أنه في تركيا -والقاهرة أيضاً- حيث ألقى أوباما خلال بداية ولايته الرئاسية خطابات هامة تروم التقرب من العالم الإسلامي ومد اليد إليه، ثمة انتقادات توجه إليه منذ ذلك الحين، وفي العواصم العربية الأخرى، تتمثل في غياب متابعة حقيقية لوعوده. واليوم، وبعد أن عارض طلبَ الفلسطينيين في الأمم المتحدة الاعتراف بقيام دولتهم، ونظراً لالتزامه بمناصرة إسرائيل من أجل سنة انتخابية، فإن شعبيته في العواصم العربية من غير المرجح أن تتحسن. لكن من الواضح أن أوباما يدرك الأهمية الممكنة لتركيا وسكانها البالغ عددهم 77 مليون نسمة؛ حيث كان أردوجان واحداً من زعماء العالم القلائل الذين خطط أوباما لإجراء اجتماعات معهم على هامش جلسات الجمعية العامة للأمم لمتحدة هذا العام في نيويورك؛ وتلقى طلبا طويلاً وصادقاً من أوباما لتهدئة المواجهة مع إسرائيل. لكن تركيا يمكن أن تكون مستقلة. فقد سبق أن قاومت طلبات للسماح للجنود الأميركيين بعبور الأراضي التركية في عام 2003 من أجل فتح جبهة ثانية في حرب العراق. وربما لن يتمكن أوباما من إقناعها بسهولة بالتخلي عن سياسة متشددة مع إسرائيل تجد لها صدى طيباً عبر العالم العربي. وهذا أمر مؤسف! فأردوجان يحسب له بالخصوص نشره وترويجه للمزيج الذي تتبناه بلاده، والذي يجمع بين الإسلام والديمقراطية كنموذج ينبغي أن تحتذي به الدول العربية التي أخذت تتحرر من الديكتاتورية. لكن سيكون أمراً محزناً -ومؤذياً ربما- إذا ما حال الموقف التركي المناوئ لإسرائيل دون اضطلاع أنقرة بدور بناء في التوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. جون هيوز محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"