لم تحمل السنة الجارية ما يفرح بالنسبة للقادة المستبدين، فقد أزاحهم الربيع العربي من السلطة، سواء في تونس أم مصر أم ليبيا، فيما تنتظر بلدان أخرى دورها للتحرر من الأنظمة التسلطية التي حكمت شعوبها بالحديد والنار، فعلى من سيأتي الدور في العالم العربي؟ الحقيقة أن البلدان الأكثر احتمالا لإسقاط أنظمتهما هما سوريا واليمن. فرغم الآمال التي عُلقت في البداية على الرئيس السوري الشاب الذي درس في الغرب، واحتمال انخراطه في إصلاحات ديمقراطية عقب وصوله إلى سدة الحكم، انقلب بشار ليصبح نسخة أخرى من والده الذي بطش بالسوريين. ومع أن الوضع في سوريا ينذر باستمرار المظاهرات مدة أطول قبل النجاح في دحر النظام، يبدو أن الشباب المحتج في شوارع المدن والبلدات، مصمم على مواصلة الاحتجاج حتى إسقاط النظام. وفي هذه الأثناء تحاول الدول العربية التوصل إلى حل يوقف إراقة الدماء من خلال خطة للإصلاحات وافقت عليها دمشق، لكنها ما زالت تنتظر التنفيذ. أما في اليمن فتواصل الاحتجاجات الشعبية زخمها ضد الرئيس صالح الذي حكم البلاد طيلة العقود الثلاثة الماضية بدهاء ومكر كبيرين جعلاه يُحكم السيطرة على مقاليد السلطة ويحافظ عليها رغم كل التقلبات. وفيما تحاول دول مجلس التعاون الخليجي ضمان انتقال سلمي للسلطة، مازال النظام يراوغ ويتراجع عن وعوده في محاولة لإضاعة الوقت واللعب على ورقة التناقضات الداخلية. وفي الوقت الذي تلتهب فيه المنطقة العربية بالانتفاضات والمطالب السياسية، بادر قادة آخرون يراقبون الوضع بحذر، إلى تبني بعض الإصلاحات، مثل الملك عبد الله الثاني في الأردن، والعاهل المغربي المملك محمد السادس الذين سارعا إلى التخلي عن بعض سلطاتهما التنفيذية من خلال إصلاحات دستورية لتخفيف الاحتقان ومواكبة ضغوط الربيع العربي. لكن يبقى أن تسهم تلك الإصلاحات في تطوير الحياة السياسية في البلدين، وإقناع الناس بجديتها ومصداقيتها. وحتى في بعض البلدان العربية التي تبدو فيها العلاقة مستقرة بين السلطة والشعب، سارع البعض إلى تمكين النساء والسماح لهن بالمشاركة والتصويت في الانتخابات المحلية. وبفضل التدخل الأميركي في العراق تمكن هذا البلد من التخلص من ديكتاتورية صدام حسين والانعتاق من ربقة الاستبداد. ورغم الصعوبات السياسية التي يمر بها العراق والصراعات المستمرة بين الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، يتعين على الغرب إبداء قدر أكبر من الصبر على الديمقراطيات الوليدة سواء في العراق أو في غيره من البلدان العربية التي ما زالت تتلمس طريقها. وسيظل السؤال الجوهري بالنسبة للعراقيين على وجه الخصوص هو ما إذا كانوا سيقبلون أن تتحول بلادهم إلى محمية إيرانية! وإلى حد الآن يبدو أن الدول التي أنجزت ثوراتها بدأت تخطو أولى خطواتها نحو الديمقراطية، فكانت تونس سباقة في تنظيم أول انتخابات الربيع العربي خلال شهر أكتوبر الماضي، فيما يحاول المصريون بعد مبارك كسر ما يبدو مقاومة من جانب الجيش لتسليم السلطة والامتيازات التجارية للمدنيين مع استعداد البلاد لخوض انتخاباتها التشريعية في الشهر المقبل. أما ليبيا التي أزاحت القذافي عن صدرها، فتمني النفس بالاستفادة من الثروات النفطية الكبيرة التي كان العقيد يدخرها له ولأولاده. لكن بلداً مثل ليبيا التي تضم قبائل شتى، مطالب بتنظيم انتخابات حرة وشفافة وبلورة نظام سياسي متماسك وإنشاء البنية التحتية. ومن المعايير الأساسية لقياس درجة التقدم في الشرق الأوسط ومضيه نحو الديمقراطية والتغيير السياسي، معيار تمكين المرأة وضمان مشاركتها الفعالة والمباشرة في رسم التحولات الكبرى لبلدان المنطقة، فلو نجحت الأنظمة الديمقراطية الوليدة في ضمان مكانة لائقة للمرأة في الحياة السياسية، فستصبح نموذجاً يحتذى لباقي البلدان في المنطقة، حتى خارج الدائرة العربية مثل إيران التي لا يبدو أن قادتها تعلموا مما يجري في محيطهم أو استفادوا من دروس الربيع العربي. والأمر لا يقتصر على منطقة الشرق الأوسط، بل يتعداها إلى الأماكن البعيدة، مثل كوريا الشمالية التي ما زالت غارقة في استبداد لم يعد يواكب القرن الحادي والعشرين في ظل الاستعدادات الجارية هناك لقيام الزعيم كيم يونج إيل بتعيين نجله خليفة له. وفي أميركا الوسطى يستمر الرئيس الفنزويلي (شافيز) في إحكام قبضته على السلطة، رغم متاعبه الصحية التي لا يبدو أنها تركت له فرصة لمتابعة ما يجري في العالم العربي من تحولات. وحتى في أفريقيا التي شهدت بعض التقدم نحو الديمقراطية، يواصل نظام زمبابوي قمعه للمعارضة، ضارباً بعرض الحائط اتفاق تقاسم السلطة الذي تحول إلى مجرد حبر على الورق. لكن رغم استمرار بعض الأنظمة الاستبدادية حول العالم، لابد من الترحيب بالتحولات الجارية في الشرق الأوسط وانتقال شعوبه إلى الحرية والديمقراطية. ومع أن البدايات ستكون متعثرة وتتخللها العديد من الصعوبات والعراقيل، كما أنها قد لا تفضي إلى النتائج التي يتمناها الغرب، فإن الديمقراطية تظل في جميع الأحوال أفضل مقارنة بأنظمة الاستبداد والقمع التي عمرت طويلا في المنطقة، حتى في ظل الفوضى التي تسببها في البداية. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"