مع بقاء 70 يوماً فقط حتى يحل موعد الانتخابات الرئاسية، تحول السباق إلى الرئاسة من سباق مرير إلى سام: "جون كيري" يتعرض في الإعلانات التلفزيونية لانتقادات حلفاء بوش بسبب فوزه بأوسمة قتالية في الحرب التي تجنبها "جورج دبليو بوش"، ثم تعرّض لهجوم من نفس الأشخاص المدعين بسبب امتلاكه الشجاعة لانتقاد تلك الحرب بعد عودته منها كمحارب قديم مصاب بجراح.
وفي هذه الأثناء، يتظاهر بوش بأنه فوق مستوى الجدل، حيث يستعرض نفسه كقائد حرب ويتفاخر على نحو غريب بإنجازاته الأسطورية في غزو العراق. فتلك الحرب كانت، شأنها شأن حرب فيتنام، كارثةً مكلفة منذ بدايتها. وفي صدى مخيف للرؤساء السابقين الذي تعمّدوا عدم إخبارنا بالحقيقة حول الرعب في فيتنام وفي تأكيد دائم على أن النصر "قريب"، تعلن الدعاية الانتخابية الأحدث في حملة بوش أن العراق وأفغانستان أحدث ديمقراطيتَين في العالم. ووفقاً للمنطق الضمني لأحد تلك الإعلانات، يمكن إيجاد الدليل في الحقيقة التي مفادها أن كلا البلدين أرسل فرقاً رياضية إلى دورة الألعاب الأولمبية.
ولا تشغلوا بالكم بأن البلدين يعانيان من الإجهاد بفعل التمرد وزعامات الحرب ويعتمدان على القوات الأميركية من أجل ما يبدو أنه أمن. وانسوا أن البلدين خاضعان كلاهما للقانون العرفي وأن القادة فيهما غير منتخبين بل عينتهم الولايات المتحدة الأميركية. وغطّوا أعينكم عن حقيقة أن الاقتصاد في كلا البلدين يعاني من العجز التام، مع معاناة أغلبية سكانية واسعة من البطالة- أو، كما في حالة أفغانستان، من زراعة الخشخاش. وتجاهلوا الحقائق. فهذان بلدان ديمقراطيان لأن "جورج دبليو بوش" يقول ذلك.
لكن لأعضاء فريق كرة القدم العراقي الأولمبي الناجح رأياً مختلفاً ينسف محاولة "جورج دبليو بوش" استخدام مشاركتهم في دورة الألعاب الأولمبية كمبرر لاحتلال بلدهم. وقال مدرب الفريق العراقي عدنان حمد مجيد لوكالة "أسوشييتد بريس" إن مشكلاتي ليست مع الشعب الأميركي... إنها مع ما فعلته أميركا في العراق: تدمير كل شيء. والجيش الأميركي قتل الكثيرين في العراق. ويوافق مهاجم خط الوسط في الفريق صالح صدر على ذلك ويقول "العراق كفريق لا يريد أن يستخدمنا السيد بوش (في إعلان) لصالح الحملة الرئاسية... نحن لا نرغب في وجود الأميركيين في بلادنا. نحن نريدهم أن يرحلوا".
هذان ليسا من رماة القنابل الموقوتة المجهولين الذين يرسلون الرسائل إلى وسائل الإعلام. بل إنهما من بين أبناء العراق المفضلين ومن نجوم الرياضة الوطنية. وعلى رغم كل ذلك يبدو أن هؤلاء الرياضيين جميعاً يقولون شيئاً واحداً: أميركا ليس مرغوباً فيها على أرضنا. وهناك عضو آخر من الفريق العراقي، وهو أحمد مناجد، طالب بأن يعرف "كيف سيواجه (بوش) ربه بعد تعرض الكثير من الرجال والنساء للذبح؟ لقد ارتكب أعمالاً كثيرة". وأضاف هذا الرياضي أنه لو لم يكن يلعب لصالح بلاده لكان بـ"التأكيد" يقاتل الآن في العراق مع المقاومة. وسأل مناجد قائلاً "أريد أن أدافع عن وطني. ولو أن غريباً غزا أميركا فقاومه أبناء شعبها، فهل يعني ذلك أنهم إرهابيون؟".
ذلك سؤال مشروع لا يريد أحد التطرق إليه في إدارة بوش باستثناء قلة قليلة في الكونغرس. وعلى رغم ذلك نتساءل لماذا، بعد مضي 15 شهراً على قيام الولايات المتحدة بـ"تحرير" العراق، يوجد هناك الكثير من الناس الذين يكرهوننا؟
الجواب الصادق من شأنه أن يبدو شبيهاً بجواب قدّمه ذات يوم المحارب القديم في فيتنام ووزير الخارجية الحالي "كولن باول" لتفسير إخفاق احتلال الولايات المتحدة الأميركية لفيتنام الجنوبية. وقد كتب "باول" في سيرته الذاتية قائلاً "لقد تم إرسالنا لاتباع سياسة أصبحت مفلسة. لقد قادنا زعماؤنا إلى حرب من أجل مبرر مناهضة الشيوعية وهو مبرر من نوع قياس واحد يناسب الجميع، والذي لم يكن مناسباً إلا جزئياً في فيتنام، حيث كانت للحرب جذورها التاريخية في القومية ومناهضة الاستعمار والكفاح المدني خارج نطاق الصراع بين الشرق والغرب". إن الفرق الجوهري الوحيد بين تعليقات "كولن باول" وتعليقات "جون كيري" في عام 1971، والتي يستشهد بها مؤيدو "جورج دبليو بوش" في سياق حملة التشويه البشعة، هي أن انشقاق "كولن باول" أتى متأخراً بفترة 20 عاماً لكي يوقف المذبحة. فأولئك الذين يهاجمون "جون كيري" بسبب تحدثه علناً ضد حرب فيتنام لا يفهمون أنها كانت خدمة عامة ضخمة في صالح عودة المحاربين القدماء الأميركيين لكشف تشاؤم وشكوك زعمائهم، أي كما فعل "جون كيري" في إدلائه بشهادته أمام مجلس الشيوخ الأميركي.
وكان "جون كيري" الشاب يقول الحقيقة للقوة، مواجهاً بذلك واقعاً اعترف به سراً الرئيسان "ريتشارد نيكسون" و"ليندون بي. جونسون"، وهذا بحسب ما كشفت النقاب عنه السجلات العامة التي تم نشرها في وقت لاحق. ففي أشرطة التسجيل السرية التي لدى البيت الأبيض، أوضح "ليندون جونسون" أنه ليس في وسعه على الإطلاق تبرير موت جندي أميركي واحد في فيتنام.
وسلفه، الذي كان يعلم أن الحرب