من المنتظر أن يواجه أوباما في جولته الآسيوية أسئلة محرجة من حلفائه لا تتعلق فقط بسعي إدارته لإعادة التوازن وإحياء سياسة المحاور مع دول منطقة شرق آسيا، بل أيضاً بتطورات وتداعيات الأزمة في أوكرانيا. ومن المرجح أن يرى قادة الدول الذين يعتزم لقاءهم في كل من كوريا الجنوبية واليابان وماليزيا والفليبين، وهم منشغلون بقضايا آسيوية تشبه التحديات التي يواجهها الأوروبيون. ومن بين تلك الأسئلة: كيف يمكن للولايات المتحدة وأصدقائها وحلفائها أن يتصدوا لمشكلة الخطر المتزايد لبعض القوى الإقليمية؟ ويمكن طرح السؤال بشكل أكثر وضوحاً: كيف ستكون ردة فعل الولايات المتحدة لو أن الصين سمحت لنفسها بشكل منفرد باستباحة حدودهم؟ ويجدر التذكير هنا بأن التحول الاستراتيجي للإدارة الأميركية نحو شرق آسيا الذي ظهرت بوادره في عام 2011، كان يقوم على أساسين. يقضي الأول بأن على الولايات المتحدة أن تواصل التأكيد على أن السلام والاستقرار السياسي طويل المدى في شرق آسيا يمثل مصلحة عليا بالنسبة لها، ويقضي الثاني بالسعي لإقامة علاقات تعاون بناءة مع الصين الصاعدة، مع أخذ الاختلافات في الرؤى معها بعين الاعتبار والعمل على معالجتها. ويبدو من الناحية النظرية أن المقصود من هذه الاستراتيجية هو أن تأخذ الولايات المتحدة بالحسبان التنامي الذي لا يمكن تجاهله للنفوذ الصيني في المنطقة، واعتماد سياسة ترضية للصين وتجنب كل ما يمكنه أن يزيد خطر عدم الاستقرار في المنطقة، أو توتير العلاقات معها. ولكن، خلال الأشهر الأخيرة، ومع تزايد مطالب الصين بمناطق وأراضٍ متعددة في شرق وجنوب بحر الصين، يبدو أن هذه الاستراتيجية أصبحت الآن على المحكّ. وقد بادرت مؤخراً بممارسات من جانب واحد ألقت الرعب والخوف في نفوس جيرانها وصعّدت التساؤل عما قد تعنيه استراتيجية إعادة التوازن في خضم هذه الإجراءات المتحدية. ومن هذه الممارسات، إعلانها في شهر نوفمبر الماضي تحديد منطقة دفاع جوي خاصة بها في بحر الصين الشرقي، ورفضها للوصاية الإدارية اليابانية على أرخبيل جزر «سنكوكو» (التي تدعي تابعيتها لها وتطلق عليها اسم «دياويو»)، ومحاولتها قطع الإمداد عن القوات البحرية الفلبينية التي تراقب «جزر توماس» المتنازع عليها وتقع جنوب بحر الصين. وبدورها، عمدت إدارة أوباما إلى التأكيد على تمسكها بموقف «اللاموقف» الذي اتخذته من مشكلة الخلاف على الأراضي في شرق آسيا، إلا أنها حذرت من اللجوء إلى استعمال القوة لحل تلك المشاكل. وأكدت أيضاً أنها تلتزم التزاماً تاماً بمعاهدة الدفاع المشترك التي أبرمتها مع اليابان والفليبين. إلا أن هذا الإعلان لم يثمر عن تبدل مهم في المواقف، وبقي خطر اندلاع الصراعات المسلحة في المنطقة كبيراً. ولا شك أن الوضع في آسيا أكثر تعقيداً مما هو في أوكرانيا التي لا تربطها بالولايات المتحدة معاهدة دفاع مشترك، إلا أن واشنطن أعلنت صراحة أن روسيا انتهكت السيادة الوطنية لأوكرانيا. ويمكن للولايات المتحدة أن تتخلى الآن عن حيادها وتقف إلى جانب اليابان والفليبين في قضية النزاع على الأراضي حتى تكبح الجموح الصيني. إلا أن هذا الإجراء سيزيد التوتر القائم في العلاقة مع الصين. وليس من المؤكد أن يؤدي هذا الموقف إلى دفع بكين للاهتمام أكثر بحل المشاكل مع جيرانها بالطرق الدبلوماسية. كما أن ذلك قد ينطوي على مخاطر اندلاع صراع ثنائي بين الولايات المتحدة والصين على غرار ما حدث خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وهو أمر لا ترحب به الدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة بسبب علاقاتها الاقتصادية التكاملية مع الصين. وبدلاً من ذلك، يتطلب الأمر البحث عن مقاربات أكثر فاعلية من أجل تغيير «العلاقات الزلزالية» في شرق آسيا. ومنها تلك التي لا تتعامل مع مشكلة النزاع على الأراضي باعتبارها قضايا منفصلة، بل الاهتمام بالمشاكل كافة التي تشغل بال القوة الصاعدة. ومنذ زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون التاريخية إلى الصين في عام 1972، بقيت العلاقات الأميركية الصينية لأربعة عقود تتميز بالتعاون والتفاهم. وفي ذلك الوقت، لم تكن الصين الضعيفة تشكل أي خطر على الولايات المتحدة وحلفائها، ولكنها كانت تمثل سوقاً رائجة للسلع والبضائع الأميركية ومصدراً للسلع الرخيصة التي يحتاجها المستهلكون الأميركيون. وكانت أيضاً شريكاً في الاستراتيجيات التي كانت متبعة لاحتواء خطر النفوذ السوفييتي. ولكن، مع نهاية هذا التحالف الاستراتيجي، وسعي الصين إلى زيادة قوتها العسكرية بدعم من نموها الاقتصادي اللافت، بدأ الطرفان الأميركي والصيني يتساءلان عن جدوى التعاون بينهما ومدى قدرته على الصمود. وأصبح كبار المسؤولين الصينيين يرون في دعوة الولايات المتحدة لإعادة التوازن في شرق آسيا مجرّد خدعة، فيما يرى المسؤولون الأميركيون أن سعي الصين المحسوس لعصرنة قواتها العسكرية والإعلان عن وصايتها على أراضٍ ينازعها فيها الغير، هو دليل قاطع على أن بكين تفعل كل ما في وسعها لتقويض تحالفات واشنطن في المنطقة وطردها من القطاع الغربي للمحيط الهادي. ويوحي هذا التوجّه أيضاً بأن الصينيين يفتعلون تصعيد الأوضاع بشكل متزايد حتى تتطور إلى صراعات ثنائية لا تصب في مصلحة أحد. ويبدو أن الإمكانات الاقتصادية الهائلة للصين وعزمها الراسخ على الانتشار والتمدد، يجعلانها أكثر خطراً من روسيا ذاتها على الرغم من الترسانة الهائلة التي تمتلكها من الأسلحة النووية. وكان الرئيس الصيني «زي جينبينج» قد اقترح حل هذه المشكلة عن طريق «بناء الثقة الاستراتيجية»، وإقامة «شكل جديد من العلاقات بين الدول العظمى». إلا أن هذا الاقتراح يطرح بعض أكثر الأسئلة أهمية مثل: كيف يمكن بناء الثقة، وما نوع العلاقات الثنائية التي يمكنها أن تستثير الاهتمام في الولايات المتحدة والصين؟ وهي أسئلة تصعب الإجابة عنها لأن النوايا الحقيقية التي يضمرها كل طرف غير معروفة على الإطلاق. وهذا يحتم علينا العمل بطريقة الاستعداد لما هو أسوأ. وتحتاج الولايات المتحدة الآن إلى استراتيجية واضحة في هذا المجال. جيم شتاينبيرج نائب وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون مايك أوهانلون أستاذ زائر بقسم السياسات الخارجية في «معهد بروكينجز»- واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»