لا يستهدف الإرهاب الذي تُقوم جماعة «الإخوان» بارتكابه أو بصناعة جزء منه أو مباركته والتواطؤ معه أو توفير غطاء سياسي له، السلطة فقط، بل يمتد إلى الشعب، فالقنابل تزرع في مدارس الأطفال ومحطات المترو وعربات القطارات والميادين والشوارع، في ظل خطاب تكفيري يتعامل مع عموم المصريين على أنهم «كفار»! أو أعضاء في «مجتمع جاهلي»! أو «متواطئون» مع السلطة الجديدة أو صامتون حيالها، صابرون عليها. وهذا جعل القاعدة العريضة من الشعب تدرك أنها مستهدفة من «الإخوان» و«الجهاديين»، وأنها واقعة تحت تأثير العنف الرمزي واللفظي والمادي الذي يرتكبونه، ولهذا عليها أن تستنهض قواها لمواجهتهم. وقد تجسد هذا في تلبية عشرات الملايين من المصريين لنداء الرئيس عبدالفتاح السيسي، وقت أن كان وزيراً للدفاع، للنزول إلى الشارع وتفويضه أو إعطائه أمراً، حسبما قال، للتصدي للإرهاب. وهو الطلب الذي تكرر فيما بعد بأشكال متعددة، وأقل وضوحاً، وكررته بعض وسائل الإعلام، أو أنتجت هي خطابها الخاص الذي يطلب من الشعب أن يكون فاعلاً بشدة في الحرب على الإرهاب، والدفاع عن الدولة المصرية. وقد ترجم الناس حضورهم في المشهد من خلال تنظيم مظاهرات مضادة لتلك التي تطلقها جماعة «الإخوان» وأتباعها، وعقد مؤتمرات ولقاءات جماهيرية للغرض نفسه، والتصدي لكتائب «الإخوان» الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، ومقاطعة وسائل إعلام «الإخوان»، من مرئية ومسموعة ومقروءة، والضغط على الدولة أحياناً كي تكون حازمة وحاسمة في مواجهة «الإخوان»، وإطلاق النكات على الجماعة وأتباعها، وهي وسيلة من وسائل المقاومة بالحيلة التي اشتهر بها الشعب المصري عبر تاريخه المديد. ومن ضمن عناصر المقاومة أيضاً أن الناس قد أعادوا صياغة الصورة «الإخوانية» و«السلفية الجهادية»، فقبل ثورة يناير ربما كان بعض الناس يتعامل مع «الإخوان» على أنهم «ضحايا» جراء السياسات التي كان يتبعها نظام حسني مبارك ضدهم. وجنى «الإخوان» من هذه الصورة أرباحاً اجتماعية وسياسية. ولكن تصرفات «الإخوان» عقب الثورة فضحت هذه الصورة وأتت على جلها في مخيلة الناس وذائقتهم العامة وعقلهم الجمعي. وتراجُع هذا العمق الرمزي ألقى بظلال ثقيلة على العمق الاجتماعي لـ«الإخوان»، إلى حد كبير. كما أن صورة بعض مشايخ السلفيين على أنهم «طهرة بررة» و«علماء أجلاء» و«زهاد عباد» قد خُدشت وتهاوت إلى حد بعيد، بعد أن اجتهد منافسوهم في نزع الطلاءات الزائفة عنهم، وتقديمهم إلى الناس على حقيقتهم، وسهلوا هم لمناوئيهم المهمة بتناقضهم وسلاطة ألسنتهم وانتهازيتهم واستعلائهم على سائر الناس. وأدى هذا إلى تقليص قدرة «الإخوان» وأتباعهم على التعبئة والتجنيد، وظهر هذا في تضاؤل إمكانية جماعة «الإخوان» والتنظيمات والجماعات المتحالفة معها، وبعضها متطرف فكرياً ويرتكب أعمال عنف منظم وإرهاباً، على حشد أنصار لهم في المظاهرات المستمرة التي ينظمونها ضد السلطة التي نشأت بعد إسقاط حكم «الإخوان» إثر خروج عشرات الملايين ضدهم وانحياز الجيش لهم، مثلما فعل في ثورة يناير. وخلاصة القول، إن من يخسر الناس يخسر المباراة السياسية، وهذا ليس صفعة فقط لـ«الإخوان» أو أي تنظيمات إرهابية ومتطرفة، بل هو أيضاً درس للكل. وهذا أيضاً درس الثورة، فحين نزل الشعب إلى الشوارع والميادين في 28 يناير، انتهى حكم مبارك ونظامه، وبقية الأيام حتى تنحيه، كانت تحصيل حاصل، وحين تكرر الأمر ضد حكم «الإخوان» في 30 يونيو 2013 سقطوا عن السلطة، ثم ظنوا أن بوسعهم أن يعودوا إليها بتحدي إرادة الشعب، أو الأغلبية الكاسحة فيه، فكانت النتيجة هي توالي خسائرهم إلى أن استقروا في الهامش، وإن كان بعضهم لا يريد أن يقر بتلك الحقيقة، ولا يريد أن يسلم بأن الشعب هو صاحب القوة الأساسية، وليس أي تنظيم أو ميليشيا أو جماعات يدعمها الخارج ويعول عليها في تحقيق مصالحه. أعود وأقول هذه صفعة لـ«الإخوان»، ودرس للطليعة الثورية أيضاً من الشباب، ولمن وصل إلى الحكم، فالناس هم الأساس.