تظل النساء والأطفال أكثر الفئات تضرراً في المجتمعات التي تُعاني من الحروب والمجاعات وتلك التي يغلب عليها التسلّط الذكوريّ والفكر الديني المتشدد! وهناك الكثير من الحوادث المتنوّعة والمتعلقة بظاهرة التحرّش الجنسي تحديداً، صارت محط أنظار المؤسسات الحقوقيّة لما تسببه هذه القضية الحساسة من تبعات نفسية سيئة على ضحاياها.. ظاهرة التحرّش الجنسي تجاه النساء والأطفال عادت إلى السطح من خلال فضيحة هزت المجتمع الأوروبي، حيث قام قساوسة كاثوليك بارتكاب حوادث تحرّش ضد أطفال، وهو ما دفع بابا الفاتيكان إلى تقديم اعتذار، طالباً الصفح والغفران باسم الكنيسة، رغم اتهام عدد من المنظمات المتخصصة في حقوق الطفل لبابا الفاتيكان التستّر على أسماء الكهنة المذنبين! الحقيقة التي لا يُمكن تجاهلها، أن مشكلة التحرّش الجنسي تفاقمت بالآونة الأخيرة في البلدان العربيّة والمسلمة، بل ويرى الكثيرون بأن الغرب لا يُعاني منها بالقدر الذي تُعاني منها مجتمعاتنا التي ترفع شعارات الدين والفضيلة طوال الوقت! في السعودية كان قد وقع عدد من حوادث التحرّش الجنسي بالأطفال داخل المدارس، وحرص الإعلام بقنواته المختلفة التكتّم على أسماء الفاعلين رغم فداحة الفعل! بجانب تجاهل مطلب المثقفين بوجوب فضح المتورطين أمام الملأ ليصبحوا عبرة لغيرهم، حيث لم يلقَ الأمر ترحيباً بالمحاكم المختصّة! وبالنسبة لحوادث التحرّش بالنساء! فاللوم في الأغلب يقع على المرأة وأنها هي من يدفع المتحرّش إلى القيام بفعلته نتيجة تبرجها وهيئتها السافرة! وفي مصر، لم يعد مستغرباً أن نقرأ يومياً عن حوادث التحرّش الجنسي التي تُعاني منها الفتاة المصريّة بالجامعات وبالمدارس بل وفي المواصلات العامة، وفداحة ما يجري في الخفاء! لكن عددا من رجال الدين يُبررون ما يجري بسفور وتبرج الفتيات، وإلى الفن الهابط بأنواعه من أغانٍ خليعة ومسلسلات وأفلام تصوّر مشاهد فاضحة مما يثير غرائز الشباب ويدفعهم إلى فقد توازنهم! ورغم الأصوات المعترضة النسائيّة والحقوقيّة العالية، لم يتم تطبيق جزاءات صارمة في حق المتحرشين، وما زالت القوانين الصادرة حبراً على ورق! للأسف كل هذه الادعاءات باطلة وعذر أقبح من ذنب! وقد نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانيّة تحقيقاً يُبيّن تزايد التحرّش الجنسي بإيران، رغم انتشار الحجاب وما يُسمّى بالشادور، مما يعني أن ستر الشعر لم يعد يُوفّر الحماية الكافية للنساء، وأن التحرّش لم يعد مقتصراً على الفتيات المتحررات في مظهرهن الخارجي! لا أعرف لماذا لا نعترف بأن هناك خللا ما! وأن هناك أخطاء عدّة غدت منتشرة بمجتمعاتنا العربية والمسلمة تحديداً! وإذا كان المظهر الخارجي للمرأة هو الذي يُحفّز الشباب على التحرّش بها، لماذا لا نرى هذه الظاهرة منتشرة بالمجتمعات الغربية التي ترتدي فيها الفتاة بحريّة ما تشاء، وتجلس بجوار الرجل في القطارات والباصات وفي المقاهي العامة، ولا تلمح عيوناً نارية تُحدّق فيها بنهم وتريد نهش كل قطعة من جسدها؟ فكرة أن كل شبر في المرأة عورة، وأنها كائن مهمّته إغواء الرجل، وزرع هذه الثقافة في عقول الأبناء، هي التي تجعلهم عندما يكبرون يصبحون غير قادرين على معاملة المرأة ككائن بشري، وليس كوعاء مستباح مهمته إثارة الغرائز النائمة! إن القوانين الصارمة التي وضعها الغرب لكل من يقترف جريمة التحرّش أمر حتمي، في الوقت الذي ما زالت أغلبية البلدان العربية تتردد في وضع قوانين رادعة لمعاقبة المتحرّش! كأن مجتمعاتنا تصرُّ على أن المرأة هي الجاني والضحية! المجرم والبريء! متجاهلة بأن التحرش الجنسي له تبعات خطيرة، وسيحدث شرخاً عميقاً في بنية مجتمعاتنا مستقبلاً، مما يستوجب التصدّي له بشراسة حتى نقضي على آفته السامة. كاتبة سعودية