من المعروف أن السياسيين، يسعون دوما إلى ربط أنفسهم بالمجد العسكري، وهو سعي حقق نتائج متراوحة. والرئيس أوباما ليس استثناءً من القاعدة، ففي الواقع أن جميع خطبه حول الأمن القومي، كانت في وسط عسكري سواء كان ذلك في كلية الأركان في ويست بوينت، أو (جامعة الدفاع الوطني). والحقيقة أنه ليس هناك ما يدعو للدهشة بشأن هذه الظاهرة لأن المؤسسة العسكرية تحظى بأكبر نسبة تأييد بين الأميركيين. ولكن الحقيقة أن«ندوة القائد العام» تمت تحت رعاية مؤسسة «إن بي سي»، والمحاربين القدامى الذين شاركوا في حربي العراق وأفغانستان، تمت دعوة كل مرشح من المرشحين الرئاسيين لعرض الأدلة التي تثبت أنه مؤهل أفضل من غيره كي يكون القائد العام القادم للقوات المسلحة الأميركية، على أن يكون تقديم تلك الأدلة أمام جمهور من العسكريين الموجودين في الخدمة والمحاربين القدماء. فحوى المنشور الدعائي، الذي وزّع قبل فعاليات المناسبة، جعلها تبدو وكأنها «اختبار أداء» يقوم فيه المحاربون القدامى بتقييم ترامب وهيلاري. والسؤال هنا: ما الداعي، في الأساس، لعقد انتخابات، طالما أن مؤسسة «إن بي سي» لديها القدرة على انتقاء جمهور من المحاربين القدامي كي يقوموا باختيار الرئيس القادم. وقد نظر «ترامب» إلى هذه المناسبة، على أنها شيء يتراوح ما بين اختبار للأداء، ومسابقة دعاية. وهو ما بدا واضحاً من قوله لمقدم البرامج المعروف «مات لوير» متباهياً: هناك 88 جنرالاً وأدميرالاً أيدوني اليوم». وقد شنت حملة هيلاري هجوماً مضاداً سريعاً، من خلال تقديم قائمتها الخاصة التي تضم 95 جنرالا ممن قالت الحملة أنهم أيدوا المرشحة«الديمقراطية».و مثل هذه التأييد الحزبي من قبل مسؤولين عسكريين بات سابقة تتكرر بوتيرة آخذة في التزايد، وتهدد بتحويل المؤسسة العسكرية إلى فريق كرة قدم سياسي. ولكني أجد من الصعب علىّ توجيه اللوم للمحاربين القدماء، والقادة العسكريين المتقاعدين، لأنهم أصبحوا أكثر حزبية، فالمشكلة في نظري ليس أن أفراداً عسكريين سابقين، يتخذون أحيانا مواقف شديدة العلنية وشديدة الحزبية، لأنهم مواطنون أولاً وأخيراً، ومن حقهم أن يتكلموا ويعبروا عما في ضمائرهم، ولكن المشكلة تكمن في أن وسائل الإعلام والجمهور العادي يشجع على نمو تلك الحزبية، من خلال معاملة هؤلاء العسكريين على أنهم حكماء في السياسة، وهم ليسوا كذلك. ليس هناك شك في أن أعضاء القوات المسلحة والمحاربين القدماء، لهم مصلحة شخصية فريدة في قرارات السياسيين بشأن استخدام القوة العسكرية، وتوقيت استخدامها، ولكن امتلاك مصلحة شخصية في هذه القرارات شيء، وامتلاك حكمة شخصية فريدة شيء آخر. فالرقيب المسؤول عن الإمداد في وحدة عسكرية له مصلحة شخصية في القرار الخاص بنشر القوات الأميركية في العراق، ولكن ذلك لا يجعل منه بالضرورة خبيراً في شؤون الشرق الأوسط. وينطبق نفس هذا الشيء على الضابط الكبار فبعضهم يتمتع باطلاع استراتيجي معمق ومحترم في الشؤون الجيوبوليتيكية، ولكن بعضهم الآخر ليسوا كذلك بالتأكيد. يجب علينا احترام الخبرات، والتضحيات، والمخاطر التي يضطلع بها الكثير من رجال الخدمة العسكرية وقدامى المحاربين، ولكن دعونا لا نترجم هذا الاحترام إلى اعتقاد بامتلاك هؤلاء الرجال لقدرة فائقة على تقييم الأمور، وتقييم المرشحين الرئاسيين. في نهاية المطاف، على الرغم من أنه ليس أمامنا سوى أن نلوم أنفسنا على نمو الحزبية السياسية في المؤسسة العسكرية، إلا أننا يجب أن نعرف أيضا أنه في أميركا ما بعد 11/9 تحول دعم القوات المسلحة إلى شكل من أشكال الدين العلماني. فنحن نضع رجال القوات المسلحة على قواعد تماثيل من أجل رفع شأنهم، ويجب علينا ألا ندهش إذن، إذا ما ظن بعضهم خطأ أن تلك القواعد، هي منابر للخطابة. روزا بروكس أستاذة بمركز القانون بجامعة جورج تاون ومسؤولة سابقة بالبنتاجون ينشر بترتيب خاص مع خدمة«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»