عيدكم مبارك، نحتفل الآن بختام شهر الصيام، اسأل الله أن نكون من عتقائه من النيران، وممن سجلت أسماؤهم للدخول من باب الريان، حيث الجنان التي أعدها الله تعالى لمن آمن وعمل صالحاً. رمضان شرع فيه الصيام والقيام لغاية واضحة «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ». إنها التقوى وقد عرفها الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: «تقوى الله سبحانه، هي عبادته، بفعل الأوامر وترك النواهي عن خوف من الله وعن رغبة فيما عنده»، ومختصر ذلك في أن تقي نفسك العذاب بترك ما نهاك الله تعالى عنه، وفعل ما أمرك به. لتقريب فكرة المقال، في الرياضة تجد أن العدائين يدخرون طاقتهم القصوى للشوط الأخير من السباق، يزيدون من سرعتهم قبل خط النهاية. والرياضي المتمرس تجد أن همته لا تنقطع بعد الفوز، لكنه يبدأ في التدرب بعد نيل قسط من الراحة استعداداً لماراثون قادم، هكذا هو حال المسلمين في العشر الأخيرة من رمضان، حيث يتوج رمضان بليلة هي خير من ألف شهر، لذلك يبادر الناس إلى الكثير من الطاعات خلال شهر رمضان حتى ينالوا عفو الله تعالى ورضوانه، لكن لو تصورنا أن ليلة العيد هي ختام هذا الموسم، نستطيع تصنيف حال المسلمين إلى أقسام أشهرها من يرى العيد خط نهاية، والقسم الثاني يتعامل مع العيد على أنه بداية، فما الفرق بينهما؟ من يعتقد أن العيد خط نهاية هم نَفَر من المسلمين، العبادة والطاعة عندهم موسمية، وتتغير علاقتهم بخالقهم حسب المواسم. نعم للعبادة في رمضان ميزتها الخاصة وأجرها المضاعف، بيد أنه من الحمق أن ينتكس الإنسان على نفسه بعد ختام الموسم، فترجع كما يُقال في المثل حليمة لعادتها القديمة، وكأن مدرسة رمضان لها أثر مؤقت على ذلك الإنسان، في ليلة العيد يقول حال هؤلاء النفر من المسلمين للطاعات هذا فراق بيني وبينك، وتشتاق أنفسهم للملذات المحرمة التي جاهدوا أنفسهم خلال رمضان من أجل الابتعاد عنها، وقد أجاد الشاعر وصف حالهم عندما قال: رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ بِالأَمسِ قَد كُنّا سَجينَي طاعَةٍ وَاليَومَ مَنَّ العيدُ بِالإِطلاقِ نفوس ضعيفة انهارت ليلة العيد وأسرفت على نفسها بقية العام بانتظار الدورة القادمة من رمضان، الصنف الثاني هم الذين استفادوا من رمضان فكان للعيد فرحتان، فرحة ختام موسم الطاعات المكثفة، وهو رمضان، وفرحة التعامل الناجح مع النفس، فرمضان في حقيقة الأمر دورة سنوية مركزة تعلم الإنسان فنون التقرب من الخالق سبحانه وآداب التعامل مع المخلوقين، بعد ختام هذه الدورة هناك برنامج قد ينقطع مثل الصيام اليومي والتراويح كل ليلة، بيد أن من استشعر لذة تلك الطاعات يعرف كيف يكون لها مكان في حياته، فيحافظ على الصلوات الخمس في وقتها، ويختم يومه بالوتر قبل نومه، وله نصيبه من الصيام خلال العام وبالذات في الأيام الفاضلة مثل صيام عرفة، لكن الأهم من ذلك أن هذا الإنسان الذي تمكن الإيمان من قلبه أصبح كارهاً للمعاصي، وإن زلت به قدم في طريق الحياة تراه مبادراً للتوبة مكفراً عن ذنبه وشعاره قول النبي عليه الصلاة والسلام «وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا». هذا هو الإنسان الذي استفاد عملياً من رمضان، وكان العيد إيذاناً بعهد جديد بينه وبين الله تعالي، فهو سائر في طريق السالكين إلى رب العالمين، جعلنا الله وإياكم منهم، وكل عام وأنتم بخير. *أكاديمي إماراتي