بعض النفوس نفائس، بل أغلى من العقيق والزمرد، لأنها تعبر عن صفاء السريرة ونقاء الطوية، فلا تشوبها شائبة طمع، ولا تخربها لهفة جشع، هي نفوس ندية زهية بهية تعافت من كل أدران الهلع الدنيوي، وانطوت على بداهتها النقية.
قصة الشاب المصري الذي سرق مجوهرات من المحل الذي يعمل فيه بقيمة 9,5 مليون درهم، وفر هارباً بالغنيمة، لكنه يقع في فخ ضمير الشقيق، الذي أجبره بصفعة واحدة للعودة الى الإمارات وتسليم ما سرق الى أصحابه.
في اعتقادي أن مثل شقيق هذا السارق يستحق التكريم والتقدير والاحترام، لأنه بحق عبر عن واقع الإنسان المصري، بقيمه العالية، وشيمه الرقيقة، وأخلاق الدول الحضارية، وتقاليد مجتمع شرب من ماء النيل حتى ارتوت يداه فابيضت ونصعت وضربت مثالاً للصدق والإخلاص.
الإنسان قد يخطئ، وقد تسول له نفسه، فيقع في المحظور، وقد تنحرف به الحاجة الى مد اليد الى مال الغير، لكنه عندما يجد من يوقظه من الغفلة ويصحي ضميره، فإنه سرعان ما يعود الى رشده ويفيق من الغفوة، فلا أحد معصوماً من الخطأ، وأن خير الخطائين التوابون.
الشاب المصري رأى ما رأى من بريق أنيق، سال له لعابه، فمد يده، لكنه عندما وجد من يصده ويرده عن الإتيان بهذه الخطيئة، رفع رأسه ورأى نور الحقيقة يسطع من جبين شقيقه، مكتوب على صفحته. عد يا أخي وأعد ما سرقته، إنه ليس مالك، إنه مال حرام، وأنت مصري عربي ابن النيل العظيم، تذكر تاريخك جيداً واستعذ بالله، إنه هو الرزاق الكريم، ولا أحد سواه، أما ما فعلته فإنه خيانة وتهشيم لأواصر العلاقة ما بين الإنسان وقيمه.
أنت مصري يا أخي، فلا تشوه ضميرك، ولا تضع نقطة سوداء على صفحة من صفحات التاريخ المصري الممزوج بالتضحيات وبسالة الرجال النبلاء وشجاعة الأوفياء. فعاد الرجل طائعاً ضارعاً بضمير حي يقظ، يحمل ما سلفه الى أصحابه ليقول لهم تباً ليد تأخذ مال الحرام. هذه بضاعتكم ردت إليكم ولم يصبها مكروه، ولم ينقص منها مثقال ذرة.
شكراً.. نقول شكراً لكل من يقف ضد الاعوجاج، وكل من يمتثل لأوامر الضمير، ويتصدى لكل ما يسيء للأخلاق والقيم.. وشكراً لك سيدي، أيها الشقيق، الرائع، لقد فعلت الصعب، وأحياناً المستحيل، فالمبلغ ليس هيناً، ولكن لأن ضميرك أغلى وأعلى من أي مبالغ الدنيا، فإنك تعاليت زهداً، وترفعت عن مباهج الدنيا ومطامعها، فصفعت الرغبة الجامحة بصحوة ضمير قلما يحصل في دنيانا المعاصرة، ولكن يا سيدي هذه مصر.. معطاءة.. ولادة.. وخصيبة بالخيرين الأبرار.



marafea@emi.ae