حوار ـ أمل النعيمي:
يسمونها 'سيدة الشاشة القطرية'، تربى على يدها جيل يناهز عمره الربع قرن أو اكثر من المتلقين، جمهورها المتنوع الذي تلتقي معه من خلال برامجها الكثيرة على الهواء مباشرة، طعامها الطازج في المكونات الذي تقدمه ذهبية جابي عبر قناة قطر الفضائية· هي عصفورة فلسطينية من بيت لحم، لقّبها الآخرون بكثير من الألقاب مثل حسناء التلفزيون، أفضل مذيعة، عاشقة الكاميرا، صاحبة الابتسامة الذهبية، سندريلا، وفراشة قطر، والكثير الكثير، وقد تثبتت كل هذه الألقاب عليها فهي من المتميزات اللاتي لم يجدن طريق النجومية مفروشاً بالورود طوال مشوارها الذي ازدان بها، كانت أول مذيعة تستخدم الهاتف مع جمهورها في برامجها كوسيلة للتواصل المباشر، كان الميكروفون صديقاً لها وبعد ذلك الكاميرا، هي من أبرز واقدم المذيعات العربيات بلا منازع في منطقة الخليج، تجربتها الإعلامية كانت تخترق كل العطاءات، إذ قدمت نشرات الاخبار، واعدت وقدمت البرامج مثل برنامج (على الهواء) و(صباح الورد) و(أطباء على الهواء) والكثير وآخرها (شو في اخبار؟) على مدى نصف قرن ويزيد، كانت قضيتها الأولى التي تبنتها واستطاعت ان تكللها بنجاحات هي قضية الاطفال في كل مكان وحقوقهم في التعليم والرعاية والعنف، الذي يمارس ضدهم، وكان لها رأي في الفضائيات العربية وما تقدمه، بعد ان اعطت للإعلام شبابها وخلاصة أفكارها ونتاجها وكافأها الناس بالحب والاحترام والدعاء، وترى في ذلك الثروة الحقيقية ومنّه الله التي لا ترد·
بدأت حياتها المهنية مدرسة للغة العربية في احدى المدارس في الاردن بعد تخرجها من معهد المعلمات، هذا ما تقوله ذهبية: بعد ذلك تقدمت للدراسة في جامعة كامبردج في بريطانيا وتقدمت لوظيفة تدريس اللغة الانجليزية في دولة قطر وقبلت للتدريس في معهد التمريض حينذاك، وتقول: رغم النداءات الداخلية التي كانت تشدني نحو الإعلام الذي كنت اعشقه ويسري مجرى الدم بداخلي مارست التدريس، وحينما سنحت الفرصة تقدمت لوظيفة مذيعة في الإذاعة والتلفزيون القطري، وإذ قبلت أحببت المكان بكل تعرجات الطرق والردهات المؤدية إلى الاستوديو، كنت اعشق رائحة الاشرطة والممرات ووجود الناس والكاميرات وأجهزة التسجيل·
ومن المفارقات العجيبة اذكر، تضيف ذهبية: أذكر انني كنت أعاني من قلب الراء ياء وبقيت على ذلك الحال حتى الصفوف الثانوية وذات يوم صحوت وانا انطق الراء دون عناء· دارت الأيام وتزوجت من الرجل الرائع الذي وقف إلى جانبي ورافقني بمشوار الحياة حلوها ومرها، وتنقلاتي من التدريس إلى الإذاعة إلى التلفزيون، ان من يمتهن مهنة الإعلام بأي صفة يظل فكره متقداً كلما أشعل شمعة ودارها لكي تضيء، ونحن العرب قد لا يقدر بعضنا قيمة الأفكار الانسانية المعطاءة ونحسب هذا العطاء بسنين العمر هذه الموروثات تختلف عن أهل الغرب، الذين يرون في الانسان الكفاءة دون إسقاطها على أرقام عمره·
وتقول ذهبية: إذا احسست ان شكلي الخارجي لم يعد ملائماً لكي أظهر على الشاشة وفشلت معي كل المحاولات لبقائي متألقة بسيطة، فربما أفكر بالاعتزال، لاحتفظ بخطوط الزمن لمرآتي وحدها دون المشاهدين، فعناصر نجاحي كمذيعة استطيع المحافظة عليها بالكثير من الإلتزامات لخدمة الانسانية وقد تفيض عيناي دمعاً وتزداد دقات قلبي خفقاناً وتنشرح اساريري بسعادة كلما أشعلنا ضوء أمل في بيت احد المحتاجين ومن يسخرهم الله لخدمة الآخرين من اهل الخير، وباعتقادي انني بهذه الطريقة اكون قد سرت على هدى برنامج يتذكره الصغير قبل الكبير، والميسر قبل المعسر، ومن الله الثواب والأجر·
بريق الشهرة
وتؤكد ذهبية جابي: للشهرة بريق النجم في سماء صافية، حين يتلألأ مختالاً دون غيره، ولكنني أتمنى ان لا اكون كمن اعماه الضوء المؤقت فخفت عطاؤه، فالحب هو هدفي، وان يبادلني المشاهدون ذات التقدير والاحترام فهذا ما أعتبره مكسباً ولا طموح لي ولاسطوة في اختراق المستحيل إلا به· بدأ مشواري الإعلامي منذ 4791 حين التحقت بتلفزيون قطر، حيث قدمت العديد من البرامج التي تناولت وعرجت فيها على كل القضايا مثل برامج الاطفال والاسرة والبرامج المتخصصة كبرنامج أطباء بلا حدود الذي نلت فيه لقب مذيعة، بالإضافة إلى نشرات الأخبار وكنت أول مذيعة تستخدم الهاتف للتواصل مع مشاهديها مباشرة واستطعت ان اكون دون نص ولا تحضير مسبق منذ بداية عملي·
تواصل مع المسؤولين
الاطفال في كل مكان هم قضيتي الأولى· هذا ما تؤكده ذهبية جابي، حيث قالت: الاطفال في كل مكان لهم الحق كل الحق في التعليم والرعاية خاصة من يتعرضون للأذى والعنف الجسدي والنفسي سواء من اقاربهم أو المحيطين بهم، وقد تطرقت إلى ذلك في برنامجي (صباح الورد) حين وجهت برسالة بعد حديث مطول للشيخة موزة المسند بصفتها رئيساً للمجلس الاعلى لشؤون الاسرة ،والحمد لله استجابت فوراً وذلك بعد ان امرت بإنشاء (مكتب الصديق) لتلقي الشكاوي من الاطفال انفسهم بهذا الشأن، ثم اتخذ المشروع أبعاداً اكبر وإنشاء مؤسسة متخصصة لمتابعة الأمر ذاته، وأيضاً عبر برنامجي السابق (أطباء على الهواء) كان هناك موقف لم ولن استطع نسيانه حين وجهت نداء عبر البرنامج إلى سمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة أناشده فيه السماح لغير القطريات بالاستفادة من ما تقدمه مراكز الاخصاب من تقنيات (اطفال الأنابيب) اسوة بالقطريات، وقد سعدت كثيراً برد سموه في اليوم التالي وذلك بتلقي مكالمة هاتفية في منزلي من الشيخة موزة حرم سمو الأمير تؤكد فيها على الموافقة من سموه على الطلب، مما مكن الكثيرات من الاستفادة فيما بعد بهذه الخدمة وبشكل مجاني، وفوز برامجي ووصولها للهدف لا ينسب لي وحدي، بل لجملة الجنود المجهولين الذين يحرصون على النجاح والفوز·
تقول ذهبية جابي: ان مذيعات اليوم تتوفر لهن عناصر النجاح بكل المقاييس التقنية والاكاديمية والمعرفية، ولكنني مصرة على ان المقارنة بين مذيعات الامس واليوم كبيرة في الإبداع الشخصي والطموح والروح المنبعثة من المعاناة والاعتماد على الذات، وكثيراً ما يحلو لي ان اشبه (بعض) مذيعات اليوم (ببعض) مطربي اليوم وليس كلهم، والذين تخدمهم أدواتهم اكثر من اصواتهم وما يحملونه من أهداف مجتمعية· فالقنوات الفضائية مردودها الإيجابي على الفكر العربي لا يعد ولا يحصى ولا أنكره، والذي كان يعاني فيما مضى من أشكال كثيرة من الامية الثقافية وما يشترك الان من الحواس الخمس في المراقبة والمشاهدة، حتى الاطفال توسعت مداركهم واصبحوا مختلفين عن اطفال الامس في معان كثيرة مثل الحرية والحق والحب، ولكن السلبيات لا تعد ولا تحصى بالمقابل، وعلى المتلقي انتقاء الجيد·
موقف ملتزم
وتقول ذهبية: لاكثر من دورة تلفزيونية توقفت عن العمل احتراماً للمشاهد ولتاريخي المهني الذي لا اساوم عليه، فقد كان المعروض علي العمل به في تلك الفترة لا يصل إلى مستوى قناعاتي ولا طموحاتي ولابد من التوقف والتقاط الانفاس والسعي لعد الخطوات قبل المضي قدماً نحو إعلام لا يرتقي بالمشاهد ولا يلبي ما احمله من معان· وللحقيقة فقد عرضت علي العديد من المحطات العربية العمل مؤخراً لكنني رفضت، وأيضاً عرض علي المشاركة بالتمثيل من قبل مخرجين كبار أمثال المرحوم حسن الإمام، وعبدالمجيد المجذوب، ومحمد فاضل وغيرهم حين لقائي بهم مصادفة بتلفزيون قطر، لكنني ابعد ما يكون عن هذه الفكرة التي لم تراودني يوماً، فقد كانت رسالتي واضحة وطريقها واضحا واجد السعادة التي ترتسم على ثغور الناس عبر بوابة الإعلام الكبيرة هي مرادي وجلّ همي· فانا أحب ان أدون رأيي من خلال برامجي التي اقدمها، والتي احاول ان تختلف عن ما يقدم في بعض القنوات والابتعاد عن إثارة الصراع وإتمام رسالتي الإعلامية لإثراء الذوق العام والنهوض بثقافة المشاهد، وقد أعجبني تعليق احد الإعلاميين حين قال (الفضائيات العربية·· هبلة ومسكوها طبلة) هذا بالفعل ما ينطبق على الكثير من الفضائيات وليس كلها طبعاً، فهناك من أثبتت التزامها نحو شعوبها واحترامها لعقول مشاهديها·