الإثنين 17 يونيو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بولندا: لعنة «كاتين» تفتح الجراح القديمة!

12 ابريل 2010 20:21
لقد كان تحطم الطائرة البولندية الذي أودى بحياة الرئيس ليخ كازينسكي وعدد كبير من مسؤولي بلاده، أشبه باصطدام أمة مجدداً بماضيها المأساوي. ذلك أن الطائرة قد تحطمت على موقع يرمز إلى حد كبير إلى القهر السوفييتي السابق الذي شكّل الجزء الأعظم من ذكريات القرن العشرين. والموقع المقصود هو غابة كاتين الروسية النائية، التي قتل فيها الآلاف من أسرى الحرب البولنديين على يد أفراد الشرطة السوفييتية السرية ودفنوا في مقابر مجهولة في عام 1940. وقد أودى حادث يوم السبت الماضي بحياة عدد كبير من القادة وأفراد النخبة البولندية. ويشمل عدد القتلى الـ79 رئيس أركان الجيش، ورئيس مكتب الأمن الوطني، ومحافظ البنك المركزي، ونائب رئيس الوزراء، ونائب رئيس البرلمان، ومفوض حقوق الإنسان، وعدداً من أعضاء البرلمان. وكان على متن الطائرة نفسها عدد من قدامى المحاربين، والناجين من أفراد العائلات التي قتلها السوفييت. كما كان من بينهم ريسزارد كازوروفسكي، الذي ناهز من العمر تسعين عاماً، وكان آخر رئيس بولندي في المنفى خلال العهد السوفييتي. ومن بينهم كذلك آنا فالينتينوفسكي، عاملة صناعات السفن، التي أدى فصلها من عملها في عام 1980، إلى اشتعال مظاهرات "نقابة تضامن"، التي أسفرت في نهاية الأمر عن انهيار بولندا الاشتراكية، وحدوث أول صدع رمزي في جدار برلين. وبالطبع كان في مقدمة هؤلاء جميعاً الرئيس كازينسكي نفسه، الذي اعتقل عندما كان عمدة للعاصمة وارسو بسبب معارضته للسوفييت. وعن تلك الحادثة، قال رئيس الوزراء البولندي، دونالد تسك بمرارة إن العالم المعاصر لم يشهد مأساة كهذه. وكان "تسك" قد دعا البولنديين إلى الوقوف دقيقتين حداداً على أرواح الضحايا يوم الأحد الماضي. وكانت أرصفة العاصمة وارسو قد تحولت إلى بحر من الشموع التي أوقدها آلاف البولنديين في وقت متأخر من ليلة تحطم الطائرة الرئاسية. وفي ساحة بيلوسيدسكي، اصطفت الشموع المضيئة على امتداد مسافة بعيدة، وامتدت من مقبرة الجندي المجهول إلى الموقع الذي أقام فيه البابا يوحنا بولس الثاني قداسه الأول لشعبه في عام 1979. يذكر أن الوفد الحكومي قد استقل طائرة سوفييتية الصنع يبلغ عمرها 26 عاماً، لحضور قداس كاثوليكي يقام إحياءً لذكرى ضحايا "كاتين". وظل الاتحاد السوفييتي ينكر وقوع تلك المجزرة لعدة عقود. بل إنه لا يزال هنالك تمنع من المسؤولين الروس إلى اليوم في فتح ملف تحقيقات عن مصير سجناء الحرب البولنديين، وهو ما يثير كثيراً من الحساسية بين موسكو ووارسو. وبالنسبة للكثير من البولنديين فإن مجرد ذكر "كاتين" يمثل رمزاً لتاريخ طويل من الحزن السري والقهر أمام السوفييت. وحين سمع البولنديون بنبأ تحطم الطائرة الرئاسية في ذلك الموقع، وما انتهى إليه جميع من كانوا على متنها، سرت صدمة عامة بينهم جميعاً. وعن ذلك قال الرئيس السابق ألكسندر كفازينفسكي، خلال تصريح تلفزيوني له: "إنها مأساة لا تصدق..يا لها من لعنة تسمى كاتين.. إنها تثير فيك قشعريرة تسري في جسدك كله". كما علق الصحفي والكاتب المشهور توماسز ليس بقوله: "أعتقد أن لكاتين هذه مكانة شريرة في التاريخ البولندي". ومن فرط سخرية هذه المأساة، لم يستبعد البعض ارتباطها بنظرية مؤامرة ما. فقد سارع المسؤولون الروس إلى إعلان تعهد حذر بالتحقيق في الحادث المأساوي، بينما أعلن بوتين رئاسته الشخصية للجنة التحقيق. يذكر أن السوفييت كانوا قد اجتاحوا بولندا خلال الحرب العالمية الثانية، ما حتم على وارسو البقاء عدة عقود تحت النفوذ السوفييتي. وبعد مرور سنوات طويلة على سقوط جدار برلين، ظلت العلاقات متوترة بين موسكو ووارسو بسبب قلق البولنديين على استقلالهم. يذكر أن الطائرة الرئاسية كانت قد اتجهت صباح السبت الماضي نحو مدينة سمولنسك الواقعة غربي روسيا، بيد أن سحباً كثيفة من الضباب أحاطت بالمدينة. ووجه طاقم مراقبة الملاحة الجوية على الأرض قائد الطائرة بالهبوط إما في مطار مينسك، عاصمة جمهورية بيلاروسيا أو في موسكو، بدلاً من مخاطرة الطيران بين سحب الضباب الكثيفة، على حد قول المسؤولين الروس. ولكن يبدو أن طاقم قيادة الطائرة اضطر -تحت ضغط عامل الوقت- إلى خوض مغامرة الهبوط في الموقع الذي تحطمت فيه الطائرة، متجاهلين تحذيرات وتوجيهات فريق مراقبة الملاحة الجوية على الأرض. وما حدث هو أن الطائرة الرئاسية لم تتمكن من الوصول إلى مهبط المطار، حسب تصريحات حاكم منطقة سمولنسك، سيرجي أنتوفييف، التي أدلى بها للصحفيين. فقد حطت الطائرة فوق الأشجار قبل أن تتحطم تماماً، كما تشير البيانات الأولية التي توصل إليها فحص المكان. ولم ينجُ أحد من ركابها جميعاً. ومع تحطم الطائرة تدخل السياسة البولندية مرحلة مجهولة لا يستطيع أحد التكهن بما يمكن أن تنتهي إليه. فقد كان متوقعاً أن يخوض الرئيس كازينسكي انتخابات تجديد لولاية ثانية في شهر أكتوبر المقبل. ولكن ناطقاً رسميّاً باسم الحكومة أعلن في وقت متأخر من ليلة السبت أن بلاده ستجري انتخابات رئاسية مبكرة، غير أنه لم يحدد التاريخ المتوقع لهذه الانتخابات. ومن بين ضحايا الكارثة، المرشح الرئاسي اليساري المنافس، جيرزي ستزماجيدزنسكي، ما يعني وفاة كلا الخصمين الرئاسيين. وينص القانون البولندي على أن يتولى رئيس مجلس النواب -وهو حالياً برونيسلاف كموروفيسكي- منصب الرئيس في حال وفاة رئيس الجمهورية. ميجان كي. ستاك - موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©