الإثنين 10 يونيو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

رياض معتوق: الخزف ابن الخيال والنار

رياض معتوق: الخزف ابن الخيال والنار
12 ابريل 2019 01:39

نوف الموسى (دبي)

عندما يود الخزّافون معرفة جودة القطعة الخزفية، يطرقون بأيدهم على المسطح الخزفي، كمن يستأذن الدخول إلى بيت أحدهم، وينصتون بهدوء لـ «صدى الصوت»، ومتى ما وصل مكتملاً، يدركون أن الأيدي التي نسجت مرونة المادة المستخدمة في التشكيل، أجادت الصنعة. من هذه التأملات بدأ حوار «الاتحاد» مع الفنان الدكتور رياض معتوق، أثناء افتتاح معرضه «تمازج الفني»، بمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، مقدماً نحو 45 عملاً بين الجداريات والتلوينات الخزفية، سعى من خلالها حسب تعبيره إلى «المجازفة» عبر المزج بين الرسم والخزف، معتبراً خلق الحوار بين الخامات المختلفة من مثل الخشب الاكريليك، لكسر نمطية الرؤية للخزف، كونه قطعة خزفية مكونة من الطين، إلى حالة من التماهي مع عوالم جديدة، تفتح للمتلقي رؤى جديدة، تحتمل عدة منظورات فلسفية وفكرية ومعرفية، وفي أحيان كثيرة رؤية جمالية، تطرح «الخزف» بمثابة بعد فني، يثري الوعي البصري.
في أحد أعماله الفنية يمزج الدكتور رياض معتوق لوحة فنية مرسومة على «كامبس» تتوسط عمل خزفي، من خلال عمق يدركه المتلقي عبر النظر إلى الظلال التي خلقها الضوء نتاج سقوطه على العمل الفني، بينما تضمن معظم العمل الفني إشارات ورموزاً، متشبعه بألوان الأرض، التي عادة ما يحاول الفنان استنطاقها في اللوحة، سواء عبر حساسية اللون نفسه وتدرجاته أو باهتمامه بالانسجام الكامن بين كل عنصر وآخر في مكونات العمل الفني، ويُمكن ربط تلك الرسومات بالنقوش الصخرية القديمة، والتي تستحضر لدى الذاكرة الفنية المتراكمة عبر التاريخ، نموذجاً قريباً من تقنية الألواح السومرية الجميلة.
المرور على الخزفيات، يُذكر الناظر إليها لا إرادياً بالنار، إضافة إلى العجلة المستخدمة لصناعة الفخار، ولكن يبقى الفرن، هو الأداة الأكثر تأثيراً، كونها تهيئ لحظة «المرونة»، التي يفسرها الدكتور رياض معتوق بقوله إن الخزف هو ابن الخيال والنار وبه تتشكل الحياة، واصفاً اللحظة التي يفتح فيها الفرن بعد أن يترك العمل فيه طوال الليل: «أكون ملهوفاً جداً، لأرى كيف أصبح الشكل النهائي». اللافت أيضاً في إبداعات الدكتور رياض معتوق هو التجاويف في أعماله الخزفية، مكامن الفراغ المهيبة بين ثنايا القطع الخزفية، والبحث في المعنى من تجويف الخزف، قد ينقلنا إلى فضاءات فلسفية عميقة، إلا أن ما يستوقفك فيها، مدى دلالات الإضاءة الساقطة عليها، رغم توضيح الدكتور رياض معتوق، بأنه لا يلتفت عادةً إلى ذلك البعد، أثناء تجسيد العمل.
التجويف في الأعمال الخزفية لدى الدكتور رياض معتوق، يتيح الفرجة على التشكيلات البارزة على جسد القطعة الفنية، فالفراغات بين كل ثنية وأخرى، تهدي المتلقي حالة من انسيابية النظر لتفاصيلها البارزة، لذلك فإن قوة بعض الأعمال الفنية في المعرض، قادمة من القدرة البديعة للفراغ في أن يطرح البساطة في التعقيد: ففي النقطة التي يستشف المشاهد أن القطعة الفنية انتهت عند تفصيلة معينة، يهديك التجويف في الخزف، مساراً لا نهائياً وبداية لخطوط جديدة في نفس القطعة الفنية. الشكل في العمل الفني يتخذ أكثر من مسار، ولكن الفعل فيه يشبه الدائرة، لا نهاية ولا بداية لها، وهنا يكمن سر جمالية أي عمل فني.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©