الخميس 30 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بوتين في بولندا... وطأة الماضي وهواجس الحاضر

بوتين في بولندا... وطأة الماضي وهواجس الحاضر
2 سبتمبر 2009 01:41
قد تكون الحرب العالمية الثانية بالنسبة للعديد من الأميركيين والأوروبيين الغربيين مجرد ذكريات قاسية من ماض بعيد، وذلك لاتفاقهم جميعاً ومنذ وقت طويل على الرواية الأساسية للحرب. لكن الأمر يختلف مع الروس وباقي دول أوروبا الشرقية التي تبرز بينها اختلافات كبيرة حول أسباب الحرب ونتائجها كما لو أنها مازالت مستعرة. ومن المرجح أن تطفو المماحكات القديمة إلى السطح خلال الزيارة التي يقوم بها رئيس الوزراء الروسي، فلاديمير بوتين، إلى بولندا والتقائه بقادة دول أوروبا الشرقية بمناسبة الذكرى السبعين على غزو ألمانيا النازية لبولندا والتي كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت ست سنوات من الحرب خلفت أكثر من خمسين مليون قتيل. وفي هذا السياق يطالب البولنديون، ومعهم إستونيا ولاتفيا وباقي الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، يطالبون موسكو باستغلال فرصة مشاركتها في الحفل والقطع النهائي مع ماضيها السوفييتي للاعتذار على اتفاقية «مولوتوف-ريبنتروب» الموقعة في أغسطس 1939 والتي تواطأ بموجبها الاتحاد السوفييتي وألمانيا على اقتسام أوروبا الشرقية بينهما. وفي استطلاع للرأي أجرته صحيفة بولندية في العاصمة وارسو، نهاية الأسبوع الماضي، أعرب 76 في المئة من البولنديين عن رغبتهم في اعتذار بوتين عن الصفقة التي عقدت بين هتلر وستالين والتي بمقتضاها قُسمت بولندا بين القائدين، وما تلا ذلك من جرائم؛ مثل إعدام آلاف الضباط البولنديين من قبل الشرطة السرية السوفييتية، ونفي نصف مليون بولندي إلى سيبيريا... وقد نشرت صحيفة بولندية يوم الاثنين الماضي افتتاحية تدعو فيها بوتين إلى «الاعتذار عن مهاجمة بولندا، وعن المجازر التي ارتكبت في حق البولنديين». ورغم انتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد احتفظ الاتحاد السوفييتي بالأراضي التي حازها من خلال صفقته مع النازية، بما فيها المناطق الشرقية لبولندا، ودول البلطيق مثل ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، فضلا عن مولدوفا، بل وحتى أجزاء من ألمانيا، ومع أن العديد من تلك الدول تحررت من هيمنة الاتحاد السوفييتي بعد تفككه وانضمت إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، إلا أن غضبها القديم تجاه الحكم الشيوعي وخريفه الطويل لم ينحسر بعد، ومازال يسكن القلوب ويؤجج المشاعر، وهو ما يؤكده «ديمتري سولسوف»، الخبير في مجلس سياسات الدفاع والخارجية المستقل بموسكو قائلا: «الجميع يناضل لبناء هوية جديدة، لكن ما أن يتم التطرق إلى السياسة الخارجية حتى تنبعث المشاعر القديمة من أيام الحرب والتي لم تتم معالجتها بعد». لكن في روسيا حيث استمر إنكار الجهات الرسمية الاتفاق الذي جمع بين هتلر وستالين ونص على اقتسام أوروبا الشرقية، حتى عام 1991، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز أبحاث الرأي العام في موسكو الأسبوع الماضي أن 63 في المئة من الروس ينظرون إلى الاتفاق على أنه كان قراراً لا مفر منه بالنسبة لستالين وذلك بهدف تفادي الحرب. فالرواية الروسية ترى في الاتفاق السوفييتي النازي خطوة دفاعية اتخذت في أعقاب صفقة عام 1938 التي جمعت التحالف الغربي مع هتلر في ميونيخ، والتي سُمح بمقتضاها لألمانيا بضم تشيكوسلوفاكيا مقابل وهم السلام. وفي رسالة مفتوحة إلى إحدى الصحف البولندية يوم الإثنين الماضي، اعترف بوتين بأن الاتفاق مع هتلر كان «جريمة»، لكنه نفى أن يكون السبب الرئيسي الذي قاد إلى الحرب العالمية الثانية. وبدلا من الاعتذار، طالب بـ «الصفح» وتجاوز الماضي، قائلا «إن دورنا هو القيام بكل ما يلزم لتخفيف العلاقات الروسية البولندية من أعباء انعدام الثقة والشك وبدء فصل جديد في العلاقات بين البلدين». ويعتقد الخبراء أن عجز روسيا عن الاعتراف بجرائمها خلال فترة الاتحاد السوفييتي، وعن طي صفحة الماضي، راجع إلى صورتها عن نفسها كقوة عالمية، والتي من أسبابها انتصار الاتحاد السوفييتي على ألمانيا النازية. هذا الأمر يؤكده الباحث «ديمتري سولسوف» بقوله: «عندما تقاوم موسكو عملية مراجعة الحرب العالمية الثانية، فهي تقاوم تدهور مكانتها الدولية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، والإصرار على أن روسيا مازالت لاعباً أساسياً على الساحة الدولية». وفي نفس الإطار يضيف فيودور لوكاينوف»، رئيس تحرير دورية روسيا في الشؤون الدولية قائلا: «في أوروبا الغربية نحّوا جانباً عداوتهم التاريخية لمصلحة الاندماج في الاتحاد الأوروبي. ومع أنهم لم ينسوا التاريخ إلا أنهم أبعدوه عن السياسة، أما في أوروبا الشرقية فالعكس تماماً هو ما حصل، بحيث يبقى التاريخ مسيساً والجميع يسعى إلى بناء هويته الوطنية على أنقاض النزاعات التاريخية، وهو ما يفسر استمرار الجدل حول الحرب العالمية الثانية». فريد وير-موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©