دينا محمود (لندن)
أكدت عضو مجلس الشيوخ الفرنسي البارزة ناتالي جوليه أن الوقت قد حان لكي تضع القارة الأوروبية محاربة جماعة «الإخوان» الإرهابية على رأس قائمة أولوياتها في الفترة المقبلة، خاصةً بعدما أصبحت هذه الجماعة تستغل مختلف السبل المتاحة لها، وعلى رأسها وسائل التواصل الاجتماعي، لنشر أفكارها المتطرفة الدموية.
ووصفت جوليه الإخوان بأنها تمثل «التنظيم الأكثر خطورة الذي يعمل في مختلف أنحاء أوروبا، مُتمتعاً بحصانةٍ واضحةٍ من العقاب»، مُشددةً على أن الدول الأوروبية بحاجةٍ إلى النظر إلى التهديد الذي قد يأتي من داخلها، في ضوء سماحها لهذا الكيان الدموي بالعمل فيها عبر مؤسساتٍ وجمعياتٍ وشركاتٍ تابعةٍ له.
وطالبت عضو مجلس الشيوخ الفرنسي -وهي خبيرةٌ في الوقت نفسه في شؤون مكافحة الإرهاب- بأن تتعامل الحكومات الأوروبية مع الخطر الذي تمثله جماعة «الإخوان» الإرهابية بجديةٍ أكبر، مُشيرةً إلى أن «الأوروبيين يستحقون أن يعلموا ما الذي تفعله هذه الجماعة في قارتهم».
وأشارت في هذا الشأن إلى أن الحكومة البريطانية أجرت عام 2015 مراجعةً لأنشطة «الإخوان» بداخل المملكة المتحدة، وخَلُصَتْ إلى أن «جوانب من أيديولوجية هذه الجماعة وأساليبها، سواء في داخل البلاد أو خارجها، تتناقض مع قيمنا ومصالحنا القومية وأمننا القومي».
وأبرزت حقيقة أن منفذ الهجوم الدموي الذي وقع في مدينة مانشستر البريطانية في مثل هذه الأيام من عام 2017 وأوقع أكثر من 20 قتيلاً، كان قد تعرض للأفكار المتطرفة -ولو جزئياً- من خلال التردد على مسجدٍ تديره جماعة «الإخوان» الإرهابية.
وأعربت السياسية الفرنسية المرموقة عن استغرابها لعدم اتخاذ حكومة بلادها مواقف صارمةً بما يكفي حيال «الإخوان»، قائلةً «لا يمكن أن نرسل في فرنسا جنوداً لتأمين منطقة غرب أفريقيا من الإرهاب والتطرف الديني، ونسمح في الوقت نفسه لأشخاصٍ مرتبطين بالإخوان بجمع أموالٍ داخل حدودنا».
من جهةٍ أخرى، حذرت جوليه من أنه في الوقت الذي تُمنع فيه قيادات الجماعة الإرهابية، مثل الإخواني الهارب إلى قطر يوسف القرضاوي، من دخول دولٍ أوروبيةٍ عدة مثل بريطانيا منذ عام 2008 وفرنسا والولايات المتحدة بسبب أفكاره المتطرفة، فإنه يحاول نشر أيديولوجيته الهدامة من خلال التسلل إلى التجمعات الإسلامية في هذه الدول الغربية، عبر وسائل شتى.
وأشارت إلى أن من بين أساليب الاختراق التي يتبعها القرضاوي وأمثاله في هذا الصدد، إقامة مؤتمراتٍ لجمع التبرعات لصالح جمعياتٍ متشددةٍ مرتبطةٍ بـ«الإخوان» في الدول الأوروبية، بحضور دعاةٍ متطرفين معروفين بتحريضهم على الكراهية والعنف، وذلك تحت ستار العمل الخيري والإغاثي.
وفي مقالٍ كتبته بالمشاركة مع غانم نسيبة رئيس منظمة «مسلمون ضد معاداة السامية»، استعرضت ناتالي جوليه التاريخ الدموي للقرضاوي؛ الذي أشارت إلى أنه مطلوبٌ من جانب وكالة الشرطة الدولية «الإنتربول»، على خلفية تورطه في أنشطة تحريضية وإرهابية.
وقالت إن سماح الدول الأوروبية بعقد مؤتمراتٍ وفعالياتٍ ذات صلة بـ«الإخوان»، يعني أنها تعمل على إيذاء نفسها بنفسها، وتقوض مصالحها داخلياً وخارجياً.
وشددت في المقال - الذي نشره موقع «يوراشيا ريفيو» المتخصص في تناول ملفات السياسة الخارجية البارزة على الساحة الدولية - على أنه على الرغم من أن عاماً مر على استضافة باريس مؤتمراً لمنع تمويل الإرهاب «فلا يزال بوسعنا أن نرى الأموال تتدفق من ضواحي العاصمة الفرنسية» إلى خارج البلاد بزعم أنها تُستغل للعمل الخيري.
ودعت جوليه الحكومة الفرنسية لأن تحذو حذو ما تقوم به السعودية والإمارات على صعيد اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بضمان تمويل الأنشطة الإغاثية والخيرية بكل حرية، مع التصدي في الوقت ذاته لأي محاولةٍ تستهدف استغلال التبرعات لمآرب غير تلك التي جُمِعَت لها، من قبيل استخدامها لتمويل «الإخوان» والتنظيمات الإرهابية المرتبطة بها.
وتطرقت المُشرّعة الفرنسية في المقال إلى محاولات الجماعة المتطرفة لاستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية لتجنيد المزيد من الأتباع والأنصار في الغرب، مُشيرةً إلى أن ذلك يعني أن «الإخوان» تحاول أن «تقفز إليك الآن عبر نوافذ جهاز الكمبيوتر والهاتف المحمول الخاصين بك، إذا لم تستطع التسلل لك عبر الباب».
وضربت مثالاً على ذلك بتطبيقٍ يعمل على الهواتف الذكية ويحمل اسم «يورو فتوى»، أطلقه كيانٌ تابعٌ لـ«الإخوان» يحمل اسم «المجلس الأوروبي للفتوى والبحوث»، وهو التطبيق الذي يستهدف في الأساس المستخدمين البريطانيين، ويتم الترويج له بكثافةٍ في المساجد التابعة للجماعة المتطرفة في المملكة المتحدة.
وشددت عضو مجلس الشيوخ الفرنسي - التي تشغل عضوية لجنة العلاقات الخارجية والقوات المسلحة - على أن الرأس المدبر لمحاولات الترويج لذلك التطبيق المشبوه هو القرضاوي نفسه، الذي قالت إنه يُنظر له على أنه المرشد الروحي لـ «الإخوان» الإرهابيين.
وقالت إن الهدف الرئيسي لذلك التطبيق يتمثل في «اختراق منازل المسلمين العاديين» في بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية، مُشيرةً إلى أنه بينما يُمنع القرضاوي من دخول المملكة المتحدة بجسده، فإن تطبيقاً كهذا ربما يمثل «وسيلةً له ينقل من خلالها مواعظه المتطرفة».
واعتبرت السياسية والكاتبة الفرنسية أن التطبيق الإخواني يشكل نموذجاً على الخطر الذي يواجه أوروبا وعقول الأبرياء المسالمين، محذرة من أن ما يتم الترويج له عبر تطبيقاتٍ إلكترونيةٍ مثل هذه لا يهدف فقط لنشر «أفكارٍ متطرفةٍ ومعاديةٍ للسامية، وإنما يرمي أيضاً إلى عزل التجمعات المسلمة عن الطابع العام للحياة الأوروبية».
ودعت جوليه في ختام مقالها إلى شن حملةٍ ضاريةٍ ضد التطبيقات الإخوانية المتطرفة سواء داخل أوروبا أو حتى في الدول الإسلامية التي تحارب الإرهاب، وأكدت أن ملفاً مثل هذا يجب أن يُناقش خلال القمة الخليجية التي دعت المملكة العربية السعودية إلى عقدها أواخر الشهر الجاري في مكة المكرمة، قائلة: «لا مزيد من الأقوال، نحتاج إلى العمل».