السبت 27 يوليو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الجبهة الوطنية للتغييرالسياسي في مصر··والانتخابات القادمة

20 أكتوبر 2005

محمد أبو الفضل
ظهرت على الساحة السياسية المصرية مجموعة من المؤشرات، أكدت أن هناك حراكا على مستويات، الحكومة وأحزاب المعارضة وقوى المجتمع المدني ، وأن ثمة تفاعلا نخبويا وشعبيا فى سبيله للتصاعد، لإحداث مزيد من التغيير فى كثير من مناحي الحياة التي شهدت اختناقا سياسيا، أثر بقوة على الخريطة الحزبية، وأدى الى إنسداد لم تسلم منه قوى المعارضة بكل أطيافها، ومنذ تعديل المادة (76) من الدستور المصري حدثت تحولات رمزية ومادية في الخطاب السياسي عند الحكومة والمعارضة، وجاءت انتخابات رئاسة الجمهورية لأول مرة بالانتخاب المباشر لتضفى زخما غاب لسنوات طويلة ، تعززت ملامحه عقب صدور شهادات مختلفة، من الداخل والخارج ، أشادت بوجود درجة مناسبة من الشفافية، مقارنة بما كان سائدا طوال العقود الماضية، الأمر الذي فتح المجال للتفاؤل بتحسن الأجواء السياسية وإدخال إصلاحات تسمح بالمنافسة على أسس موضوعية، لكنه كشف ضعف غالبية قوى المعارضة وصعوبة وصولها الى نجاحات، تدلل على قدرتها في أن تكون رقما رئيسيا في المعادلة الحزبية، وهو ما تطلب البحث عن صيغة جبهوية، تجمع شملها وتمنع تشتتها وتوحد رؤيتها وتقوي عزيمتها ،حتى تتمكن من مناطحة الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم الذي نشط في تجديد هياكله·
من هنا تبلور اتجاهان، الأول يتعلق بتزايد نشاط المجتمع المدني وتخليه عن الاعتكاف بعيدا عن العمل السياسي المباشر ، فبعد فترة من الاهتمام بالأعمال الخيرية والتركيز على حقوق الانسان ، اتسع نشاط تنظيماته للمشاركة في الأحداث السياسية، وقادت بعض مؤسساته ومنظماته مظاهرت حاشدة، بدت وكأنها على وشك سحب البساط من تحت أقدام القوى الحزبية التقليدية، وترتب على هذا الاتجاه ،زيادة فى رقعة الناشطين في الفعل السياسي بصورة عملية أكثر منها نظرية، واستفزاز أحزاب المعارضة وحثها على ضرورة تجديد دمائها، سواء باعادة هيكلة قواعدها أو الدخول فى حوارات بينيـة، لدراسة صيغة تساهم فى تعظيم مكاسبها وتقليل خسائرها فى مواجهة المد الجارف لنفوذ الحزب الوطنى ، الذى قطف ثمرات ضعفها وخمولها ·
والاتجاه الثاني، يخص إحساس بعض القيادات والرموز السياسية بالمسئولية التاريخية ، والتخلي عن سياسات الانزواء والإحباط وتوجهات العزوف والتقوقع ، التي غلبت على تصرفات أعداد كبيرة منها، فقد أفضت هذه المعطيات إلى تفريغ الساحة من النخب الوطنية، التى كان يمكن التعويل عليها فى أن تلعب دورا معنويا ، لإضفاء قدر من الحيوية والعافية على الحياة المصرية ، فرأينا عودة الدكتور عزيز صدقي رئيس الوزراء الأسبق ومشاركته فى تكوين 'التجمع الوطنى للتحول الديمقراطي ' الذي ساعد وجوده ونشاطه في تجسير الفجوة بين كثير من القوى الحزبية، وبدأت بعض الشخصيات الوطنية، من تخصصات مختلفة، تراقب الموقف عن كثب، استعدادا للمشاركة فى أى من المجالات السياسية، فقد تملك بعضها شعور بعدم الرضاء عن تقديراتها ومواقفها السلبية، لذلك ربما يقلب انخراطهم فى المنظومة السياسية كثير من التوازنات الراهنة التي ستتضح معالمها قريبا·
الحرية الآن
بالاعلان عن تأسيس ' الجبهة الوطنية للتغييرالسياسي والدستوري ' فى الثامن من أكتوبر الجارى خطت القوى الوطنية بكل ألوانها السياسية خطوة كبيرة نحو التعاون والتنسيق ، فالهدف المباشر هو خوض الانتخابات البرلمانية فى نوفمبر المقبل بقائمة واحدة في مواجهة الحزب الوطني ، فى حين ينطوى هذا التحرك على أهداف بعيدة حيث تضافرت جهود قيادات تاريخية وزعامات حزبية ورموز مدنية لتكوينها، ما يعني أن الجميع تنتابه حالة من القلق إزاء عمليات الذوبان ومحاولات تجريف الساحة السياسية المتواصلة، فى غياب شبه تام للقوى المعارضة، التي نهشتها الخلافات وتكاد تعصف بقدرتها على الابداع ، فبعد فترة قصيرة من المراوحة والشد والجذب جرى الاتفاق على هذه الجبهة، التى أوضح عزيز صدقي أنها ' تشكلت فى الأساس لمحاربة الفساد وتحقيق الاصلاح '، وتكونت من أحزاب الوفد والتجمع والعربي الناصري والعمل ( مجمد) والكرامة ( تحت التأسيس) والوسط ( تحت التأسيس) وجماعة الاخوان المسلمين والحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) والتجمع الوطنى للتحول الديمقراطي، والتحالف الوطني للاصلاح والتغيير والحركة الشعبية من أجل التغيير ( الحرية الآن ) ، وبالتالي من المتوقع أن تكون الانتخابات البرلمانية ساخنة، فالمؤشرات المتوافرة تؤكد أنها ستكون مغايرة لما سبقها، ليس فقط من زاوية درجة الاستعدادات الداخلية وتكتيل الأوراق السياسية ، بل من حيث عيون المراقبة الخارجية·وقد اعتبر بعض المراقبين ظهور 'الجبهة الوطنية 'بمثابة نقلة نوعية في الحياة السياسية ، فلأول مرة تتكاتف الجهود من مشارب متعددة وتيارات مختلفة على هدف التغيير السياسي والدستوري، تسانده رياح مواتية ، إذ أصبح مطلبا جماهيريا، كما أن بعض الدوائر تنظر إليه باعتباره مدخلا للإصلاحات المرجوة فى كافة مناحى الحياة، وفي المقابل تعتقد بعض الأوساط أن 'الجبهة الوطنية ' تأتي استكمالا لسلسلة طويلة من تحركات المعارضة، طوال الخمسة والعشرين عاما الماضية، ففي مايو 1980 أعلن عن ما سمي ببيان من المصريين الذي اعتبر ' الديمقراطية مسؤولية كل مواطن ' ووقعت عليه مجموعة كبيرة من النخب السياسية والثقافية، وفى يناير 1987 ظهر ما وصف بـ 'الميثاق الشعبى للاصلاح الديمقراطي' وبعد أربعة أعوام ونصف، أي في يونيو 1991 وقع رؤساء أحزاب الوفد والتجمع والعمل والأحرار والإخوان المسلمين على بيان لشعب مصر للمطالبة بدستور جديد ، وقامت الأحزاب نفسها تقريبا في نوفمبر 1993 بالتوقيع على بيان حول دعوة الحوار الموجهة من رئيس الجمهورية·
وفى اعتقاد حسين عبد الرازق الأمين العام لحزب التجمع الوحدوي أن نقطة التحول الرئيسية فى أشكال العمل الجبهوي ، تمثلت في تأسيس 'لجنة التنسيق بين الأحزاب والقوى السياسية ' عقب ما تردد عن شيوع حالات من التزوير الفاضح فى الانتخابات البرلمانية عام ،1995 وضمت هذه اللجنة أحزاب الوفد والتجمع والعمل الناصري والأحرار والاخوان المسلمين والحزب الشيوعي المصري (المحظور) ، وكان من أهم أعمالها' مؤتمر الأحزاب والقوى السياسية دفاعا عن الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان ' خلال الفترة من 8-10 ديسمبر ،1997 وانتهى المؤتمر باصدار برنامج ديمقراطي للاصلاح السياسي والدستوري ، أكد على أن جوهر الاصلاح في تلك المرحلة ' فتح الباب عمليا أمام إمكانية تداول السلطة سلميا '، وبعد فترة من التوقف عاد التنسيق من خلال ما أطلق عليه بـ 'لجنة الدفاع الديمقراطية ' التى أصدرت فى مايو 2003 وثيقة بعنوان ' نداء من أجل إصلاح سياسي ودستوري ديمقراطي ' وقع عليها رؤساء الوفد والتجمع والناصري والعمل ، وفى سبتمبر 2004 أصدر ' التوافق الوطني للإصلاح السياسي '، الذي تكون من أحزاب المعارضة المعترف بها رسميا، بيانا أعلن فيه ' اللجوء الى الشعب ودعوته الى العمل الجاد المتواصل فى إطار حركة منظمة ومتتابعة المراحل '·
تناقضات·· وخلافات
برغم أهمية هذه المسيرة من التحركات ، غير أنها وقفت عاجزة عن الوصول لأهدافها النهائية ، ومع أن الاشارة الى هذه الخطوات قصد منه التدليل على أن 'الجبهة الوطنية ' الوليدة مكملة لجهود سابقة وضمن حزمة من الرغبات الساعية للتغيير السلمي، إلا أنها فعليا عرضة لمواجهة جملة من التناقضات الداخلية، ربما تكون قريبة من التقاطعات التي عطلت أو أثرت على التحركات والخطوات السابقة، في مقدمتها ، رفض بعض الأحزاب فكرة التعاون مع جماعة الاخوان المسلمين، ففى هذا السياق أعلن حزب التجمع الوحدوي تحفظه على ذلك ، وكاد موقفه أن يتسبب فى انهيار الجبهة ، ولا يزال هذا الأمر يهدد استمرار التعاون ، كما أن الاخوان أصروا على احتفاظهم بمسافة مع القوى الأخرى، وطلبوا اخراج مرشحيهم من القائمة الموحدة ، مع رغبة فى التنسيق مع الجبهة فى بعض الدوائر الانتخابية ، كما أن رفض الدكتور نعمان جمعة رئيس حزب الوفد انضمام حزب الغد ترك غصة فى حلق بعض القوى، التى رأت تفويت هذا الموقف حفاظا على الجبهة، لذلك فغلبة التقديرات على أسس أيديولوجية وشخصية ستكون سيفا مسلطا على الجبهة وتماسكها الداخلي والسياسي ، ناهيك عن التأثيرات السلبية التى يمكن أن تنجم عن طبيعة الانتماءات وحساباتها المعقدة والشائكة، فضلا عن الخلافات المحتمل نشوبها، جراء وجود قوى تحظى بالشرعية وأخرى محظورة ، وحركات مدنية صاعدة وأخرى هامشية، وهى إشكاليات تبدو بسيطة الآن، لكنها يمكن أن تهدد العمل الجماعي فى الصميم لاحقا·
ومن جهة ثانية، هناك عدد من التحديات الداخلية يصعب تجاهلها، وتتعلق بعدم التوافق حول الأهداف الاستراتيجية للجبهة الوطنية وإمكانية استمرارها واحتمال ارتباطها بالانتخابات البرلمانية فقط، وطبيعة المؤسسات المركزية والفرعية وأساليب العمل الضرورية، والقدرة المتوافرة للحصول على أكثر من 5% لعدد من الأحزاب المنضوية تحت لوائها لتتمكن من المنافسة فى الانتخابات الرئاسية القادمة، وكلها مخاوف تطرح تساؤلات كبيرة ،لأن الاجابة عليها وتذويب ما يكتنفها من هواجس يفتح الطريق للحديث عن معارضة قوية في المستقبل ، تستطيع أن تكون رقما صعبا فى الحياة السياسية المصرية، وبالتالي عليها التفكير فى آليات محددة وأساليب واضحة لتجاوز سيطرة الحزب الوطني واتساع نفوذه، في مقابل ضعف امكانياتها، وتراجع قدراتها لتحريك الشارع وجذب الأغلبية الصامتة، وعدم امتلاكها لمقومات لوجستية لمتابعة سير العملية الانتخابية الفاصلة فى نوفمبر المقبل ·
فى تقديرى أن نجاح الجبهة الوطنية فى الوصول لبعض أهدافها لا يمثل اضافة فقط لأحزابها وتياراتها، بل يمكن أن يكون مكسبا لحكومة الحزب الوطني ذاتها، فقوة النظام من قوة معارضيه والعكس، فقد انتهى زمن الحزب الواحد وتوقفت مسيرة المعارضة المهمشة، كما أن الزخم والتفاعل السياسي يقلل من حجم الاحتقانات المتزايدة التي تقلق من تضخم نفوذ الحزب الوطني ورموزه، علاوة على أن نجاح الجبهة يبعد الشبهات عن النظام التي تحمله مسئولية رخاوة الحياة السياسية، ويعطي أملا ومصداقية للعمل الحزبي المنظم ·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©