السبت 27 يوليو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طرحت السؤال على الأطباء: هل أرميهما بالزبالة؟

طرحت السؤال على الأطباء: هل أرميهما بالزبالة؟
22 أكتوبر 2005

حوار - أمل النعيمي:
حمدة وميثاء تلميذتان مجتهدتان من دبي··· ولدتا في الأول من مايو عام 1995 فهما توأمان، وبقدر فرحة أهلهما بهما كان حزنهم، حين اكتشفوا اصابتهما بـ'الشلل الدماغي' لينزل الخبر على امهما وابيهما نزول الصاعقة، ولأن الحكمة تقول: 'لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس' فقد تجاوز الأبوان صدمة الحدث لينصرفا الى التفكير بما ينبغي عليهما فعله وهما يجدان نفسيهما مرةً واحدةً: أبوين لطفلتين معاقتين، دون سابق إنذار·
اليوم نتحدث عن حمدة وميثاء مع أمهما بعد أن كبرت البنتان وأصبحتا طالبتين متفوقتين في الصف الخامس الابتدائي، في مدرسة السعادة، في دبي·
تقول الأم: تمت الولادة مبكرة في الشهر الخامس من الحمل وظلت الفتاتان تحت المراقبة الطبية لمدة شهرين حيث كان وزن حمدة 900 جرام وميثاء كيلوجراما و25 جراماً وكانت صحتها عموماً افضل، غير انها سرعان ماعانت من مشكلة في شريان القلب مما ادى إلى نقصان وزنها وتدهور حالتها بعد العملية··· بعد شهرين اخرجناهما من المستشفى وكانت حالتهما صعبة إذ لا نعرف ما الذي حل بهما··· كنا نذهب للاطباء بين حين وآخر، ولكن لم يخبرنا احد بان لديهما اعاقة ما، واستمر الأمر على هذا المنوال، حتى تجاوزتا السنة الأولى من العمر، حيث لاحظنا انهما غير قادرتين على الجلوس أو الاتزان·
كان الأطباء يقولون لنا في البداية 'لسه شوية'! وانهما بحاجة إلى علاج طبيعي، و··· و··· غير انه وبعد اجراء تخطيط للمخ اتضح انهما غير قادرتين على فعل أي شيء، كان هذا ما صرح به خمسة من الاطباء، لأجد ان رأسي ظل يدور ليتلقف ما جادت به قريحتهم 'مش حيتكلموا، مش حيكتبوا' ولا أعرف كيف وجدتني أرد عليهم باستنكار: هل ارميهما في الزبالة!؟·
تقول أم حمدة: لم تكن تلك الكلمات الا بداية التحدي لديّ انا ووالدهما، فعزمنا على ان نعتمد على الله وبذلك سنقوى··· كنت اريد تعليمهما كيفية الأقبال على الحياة والإندماج في المجتمع والانخراط في شؤون الحياة، فاعتكفت في المنزل سنتين متوكلة على الله وعلى قوةٍ وضعها-سبحانه وتعالى- في نفسي· كنت اقيس استجابة حمدة وميثاء ابنتي واحاول تنبيههما إلى الألفاظ والكلمات: هذا أحمر، هذا أخضر، هذه جدتي، تلك امي، هذا جدي وذاك ابي··· وهكذا وصولا إلى كل الاشياء التي لابد للطفل ان يعرفها من المحيطين به·
بعد ذلك التحقت (حمدة وميثاء) بمركز التدخل المبكر التابع لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حيث وجدت الاستجابة، وقررت ان لا اهملهما مهما حصل···
وفي البداية كانت استجابة حمدة اكثر من ميثاء التي تم نقلها إلى مركز راشد لعلاج ورعاية الطفولة في البرشاء حيث لاقت كل رعاية واهتمام من المركز، وبتجاوب خاص من السيدة مريم العثمان مديرة المركز مما أعانني كثيراً، ومنحني القوة والعزم· بعد مرور بعض من الوقت جربت ان الحق حمدة بروضة عادية رغم رفض الأمهات لوجودها مع أطفالهن· من هنا اخذت على عاتقي مهمة اثبات العكس لمن حولي، وان انشىء طفلتيّ على فكرة تقول: دع الناس تنظر الى عقليكما وتفكيركما وليس لأي شىء آخر فيكما·
التربية الخاصة
تواصل والدة حمدة وميثاء حديثها المفعم بالتحدي والإصرار والأمل: بعد فترة الروضة شاءت الظروف ان يتم التحاقهما بمدرسة السعادة بدبي، وهنا يجب ان لا انسى وقوف مديرة المدرسة السيدة هند لوتاه إلى جانبي وتذليلها الصعاب التي قد تواجه البنتين من خلال الحركة أو السماح ببقائي معهما فترة طويلة لحاجتهما الماسة لذلك···
ومع فصول التربية الخاصة- كانت البداية مع حمدة- تقول امها انها ونتيجة لبطئها في الكتابة فقد تقبلت الفكرة لأنني اعرف قدرات ابنتي، وبدعائي لها وتحفيزها والتأكيد عليها في كل لمسة أو كلمة أو فعل 'انها قوية' استطعنا تخطي المصاعب بحيث انها حازت على الدرجات النهائية في كل المواد وأصبح الجميع يشكرها على تميزها· بل أخذت تنافس التلميذة الاولى في الفصل··· كنت دائما اقول لها: لا تجعلي الناس ينظرون لرجلك ويعطفون على اعاقتك، تناسي هذا الموضوع فالإنسان المعاق هو الذي يمتلك فكراً ويهمله ولا يستخدم دماغه أو عقله وفكره، هذا هو المعاق··· فكثير من العباقرة والمبدعين من البشر كانوا معاقين جسدياً أو بكف البصر أو الصمم وهذه ليست اعاقات بل ابتلاءات يختبرنا بها الله ليرى ايا منا الأفضل في العبادة، وفي هذه الأيام من شهر رمضان الفضيل تحاول البنتان (حمدة وميثاء) قراءة القرآن وحفظ ما تيسر لهما من الآي الكريم··· والحمد لله·
وتضيف الأم الشجاعة: رفضت البنتان الفكرة التي تقول ان اعاقتهما (بالشلل الدماغي) تعني انهما فائضتان عن الحاجة، وهذا هو المهم: ان يدرك الإنسان أهميته وضرورته ومغزى وجوده، لذا اجدهما ترددان على مسامع من يسألهما: من قال لكم اننا معاقتان؟
لقد زرعنا في أعماقهما بذرة الإعتزاز بما لديهما من قدرات، وحتى حين يسألهما احد ما: لماذا انتما هكذا؟ أو لماذا تجلس ميثاء على كرسي متحرك؟ يكون ردهما مفعما بالأمل والتفاؤل، بعد معاناة مريرة طبعا·
تقول أم حمدة: الحمد لله تجاوزت البنتان(حمدة وميثاء) الكثير من الاعاقات التي وضعها بعض افراد المجتمع والمحيط··· وكنت اقول لهما اثبتا للمحيط الذي حولكما انكما مجتهدتان··· وهاهي ابنتي ميثاء تحصل على شهادات تقدير منذ ان كانت في الروضة··· كانت في البداية تقول لي لماذا التحق بالمدرسة···؟ فشهادتي لا تسمن ولا تغني من جوع، أنا لن اصبح وزيرة ولا مديرة· المهم انني اعرف التعامل مع الحاسوب واقرأ واكتب واتخاطب باللغة الانجليزية· ولكنني -تقول ام حمدة- اعتقد ان مجتمعنا سييبلغ مراحل متقدمة من الوعي اللازم للتعامل مع الحاجات الخاصة وسيكون لهؤلاء مكان ما تحت الشمس··· وفي المجتمع، فانا لن يدوم وجودي في الحياة ولابد لهما ان تعتمدا على نفسيهما
نهج سليم
تقول أم حمدة وميثاء: كان اعتماد الحوافز اسلوبي في تربية البنتين وتوسيع مداركهما، وبتعاوني مع ابيهما تم بناء إرادة قوية بفضل القدرات التي زرعناها فيهما· وبما ان لي ابناء سواهما فلم افرق في المعاملة بين محمد وبدر وميثاء وحمدة بل كانوا كلهم سواسية، وهذه ممارسة عملية أهم وأخطر في تأكيد فكرة 'انهما لا تقلان عن سواهما أهمية' فكان الجميع ملتزمين جدا ومتعاونين مع بعضهم البعض، ومن جانبهما كانت حمدة وميثاء تتعاونان في اداء الواجبات والدراسة كما تمكنت حمدة من حفظ ثلاثة اجزاء من القرآن الكريم وساعدت اختها على حفظ نصفٍ من جزء (عمّ)·
مفاجأة وعتب
تقول أم حمدة: ذهبت مع بنتيّ إلى نفس المستشفى الذي شخص اطباؤه لي عجزهما وان الخلايا في الدماغ تالفة وانهما لاتنفعان لشيء··· إلى آخره، حيث قمت بإجراء اشعة مقطعية لهما فتم اثبات العكس وذهل الاطباء ونكس واحد منهم رأسه بعد ان واجهته بالمسألة· وهنا لديّ كلمة عتاب لابد ان اوجهها من خلالكم في هذا الشهر الفضيل فأقول: اننا امة تدعو للتكافل ومساعدة المحتاج، فلماذا يُرفض انخراط المعاق في الأنشطة، خاصة انني ازج ببنتي-مثلا- في كل النشاطات لكنني الاقي بعض الرفض والصد من قبل بعض المشرفين سواء في المكتبات أو الفعاليات والمهرجانات الكثيرة، فلماذا يحرم المعاق من الإندماج في الحياة مادامت لديه القدرة على ذلك؟·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©