السبت 27 يوليو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

غضـب المثقفين هل يُسقط اليمين الإيطالي؟

28 أكتوبر 2005

روما- منار محمد: في وقت تسيطر عليه أجواء السباق المحموم بين اليمين الإيطالي بزعامة سيلفيو بيرلوسكوني واليسار ممثلاً في شخص رومانو برودي على استمالة الإيطاليين من أجل المعركة الكبرى الخاصة باختيار رئيس وزراء البلاد المقبل ، وفي وقت تتقارب فيه قوة الفريقين إلى حد كبير تصبح جميع المناورات والمعارك الصغيرة ذات تأثير مباشر على النتيجة النهائية، وهذا ما أعطى المتغيرات الأخيرة أهمية استثنائية ·
اليمين من ناحيته استغل تفوقه العددي في مجلس النواب كي يمرر تعديلاً على قانون انتخابات المجالس المحلية أملاً في الحد من قوة اليسار في تلك المجالس، والتي ستؤثر نتائجها على تماسك كل فريق وثقته في الفوز في الانتخابات البرلمانية التي ستقود إلى اختيار الحكومة المقبلة ورئيس وزرائها، أما اليسار فقد اعتبر هذه التعديلات مؤامرة خطيرة لكنه لم يستطع وقفها، وعندئذ بادر زعيم اليسار بطرح فكرة تطالب بإجراء كل من انتخابات المجالس المحلية والبرلمانية في ذات اليوم ضغطاً للإنفاق، وتخفيفاً عن الخزانة العامة التي تعاني بالأساس من دين داخلي ثقيل، لكن اليمين دافع باستماتة عن بقاء الوضع على ما هو عليه ومرة أخرى استغل أغلبيته في البرلمان لرفض الفكرة مما دعا رومانو برودي إلى التعليق قائلاً : إنه يوم حزين، ليس بالنسبة لي فقط ولكن بالنسبة إلى إيطاليا·
المؤسسات العامة·· واليسار
وأخيراً كان الدعم المالي لأجهزة ومؤسسات عامة ميداناً لمعركة صغيرة أخرى، فالمؤسسات الثقافية وصناديق دعم السينما والمسرح كلها مؤسسات عامة تحت سيطرة رجال عرفوا بانتمائهم لليسار، وعدائهم الشديد للأفكار اليمينية، وهو ما جعل تلك المؤسسات بعيدة عن رضا بيرلوسكوني الذي استغل حاجته للموارد المادية لتغطية وضع إيطاليا الاقتصادي المتعثر داخل الاتحاد الأوروبي وسارع بإلغاء الدعم المالي لتلك المؤسسات مما فجر ثورة في دوائر المثقفين ·
وبينما تتزايد أهمية تلك المعارك الصغيرة ويتضاعف اهتمام الإيطاليين بتفاصيلها وحماس كل فريق لموقفه يصف المراقبون معارك الأيام المقبلة بأنها ستكون أشد ضراوة ، فما الذي يجري في إيطاليا ؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء اشتداد المعركة السياسية الإيطالية هذه الأيام ؟ وكيف سيكون تأثيرها على أوضاع الجاليات العربية في إيطاليا ؟ وعلى العلاقات العربية الإيطالية ؟ وكذا تعاطي الدولة الإيطالية مع الملفات ذات الصلة بالعالم العربي؟
التعديل في قانون الانتخابات الذي فرضه اليمين يأخذ بنظام القوائم النسبية، أي عدم وصول العضو المنتخب إلى البرلمان إلا في حال فوز حزبه بنسبة معينة من المقاعد، أنصار حزب إلى الأمام يا إيطاليا الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي سيلفيو بيرلوسكوني يؤكدون على أن التعديل في قانون الانتخابات كان بالأساس لتفادي الاضطرار إلى تكوين ائتلاف من مجموعة غير متجانسة من الأحزاب، لأن إيطاليا قد عانت كثيراً ـ قبل مجيء بيرلوسكوني ـ من سقوط الحكومات السريع، أما اليسار فيؤكد على أن التعديل إنما فرضته أغلبية آنية بغرض تجاوز الأصوات المتفرقة المعارضة لها، وهو ما يتعارض وفكرة الديمقراطية·
أما فيما يتعلق بالطرح الخاص بجمع كل من انتخابات المجالس المحلية والانتخابات البرلمانية في يوم واحد فيقول رانييري دي ماريا الأستاذ بجامعة روما: إن الفكرة في حد ذاتها وجيهة من الناحية الاقتصادية لأن إجراء العملية الانتخابية مكلف إما من ناحية تعطيل المؤسسات التي تجرى فيها عملية الاقتراع كالمدارس وغيرها أو من ناحية تعطيل القضاة والمشرفين عليها، وكذا قوات الشرطة المكلفة بتأمين الانتخابات، فضلاً عن تعطيل الناخبين أنفسهم عن أعمالهم، لكن المشكلة في هذا الطرح هي أنه سيصب في مصلحة اليسار، لأن الناخبين مرتبطون عادة بممثليهم في المجالس المحلية ارتباطاً شخصياً، وبدون اعتبار للانتماء الحزبي، في حين يختارون ممثليهم في البرلمان بناءً على مدى تأثرهم بالدعاية الحزبية أو اقتناعهم بالبرنامج العام للحزب، وفي حال جمع الانتخابات في يوم واحد، سيبحث الناخبون عن أسماء ممثليهم في المجالس المحلية، وقد ينتخبون القائمة بأسرها عندما يجدون هذه الأسماء فيها، أي أن اليسار الذي يتمتع بتفوق تقليدي كبير في المجالس المحلية قد يجني نجاحاً لقائمته البرلمانية مؤسساً على قوة قائمته المحلية، وهو ما يخشاه اليمين، لكن رفض اليمين للفكرة يبقى وجيهاً هو الآخر، حيث إن إنهاء مدة الدورة البرلمانية قبل موعدها، والذهاب بالأعضاء إلى الانتخابات مبكراً كي يتوافق الموعد مع موعد تجديد المجالس المحلية يمثل ظلماً لأعضاء البرلمان الحالي·
دعم الثقافة
حكومة بيرلوسكوني لم تكن يوماً من أنصار الثقافة، وهي التي أثارت زوبعة كبيرة باقتراحها بيع العديد من الرموز الأثرية الإيطالية سعياً وراء سيولة نقدية تغطي بها العجز في ميزان المدفوعات، لذلك لم يكن غريباً أن تضع يدها على مخصصات مالية كانت توجه بشكل تقليدي لدعم الثقافة، المثقفون الثائرون بسبب إلغاء بيرلوسكوني الدعم المالي للعديد من أنشطتهم خرجوا في مسيرات تندد بقرار رئيس الوزراء، وحذروا من انهيار نهائي للسينما الإيطالية، ولفرق مسرحية عرفت بمساهمتها في الثقافة الإيطالية، لكن الناقد فاليريو أوجو يعلق على القضية بقوله: لا شك في أن التخلي عن دعم الأنشطة الثقافية يمثل جريمة بحق مستقبل الثقافة والحضارة ككل، لكن المؤسف أن تعامل أولئك القائمين على هذه الأنشطة مع أموال الدعم هو ما أسقط عنهم المشروعية، وأغرى اليمين بسحب تلك الأموال من بين أيديهم، فهم قد أساؤوا إدارة تلك الأموال، وصندوق دعم السينما هو خير دليل على ذلك، فبدلاً من دعم عشرات السينمائيين العاجزين عن شق طريقهم، وتوفير فرص لإنتاج أعمالهم، نجده يوجه تلك الأموال لدعم بعض الأسماء المعروفة والتي ليست في حاجة إلى أي دعم، مما جعل عموم الناس لا يتعاطفون مع قضيتهم عندما خرجوا في مسيرات تطالب بإعادة أموال الدعم إليهم، لكن هذا لا ينفي خطورة القرار، والذي أعتقد أنه سيدفع بعموم المثقفين بمن فيهم أولئك العازفون عن السياسة إلى أحضان اليسار·
الصراع السياسي ألقى بظلاله على الموقف الاقتصادي، ونشر إحساساً بالتشاؤم بشأن إمكانيات الخروج من الحالة الراهنة، يقول أومبرتو جاننيني من اتحاد الخضر: الحكومة متفرغة للدفاع عن بقائها عن طريق التركيز على الصراع السياسي في حد ذاته، وليس عن طريق السعي إلى إنقاذ الوضع الاقتصادي الذي يفترض أنه الأكثر إلحاحاً بالنسبة للمواطنين، ربما لإيمانها بأن الوقت المتبقي قبل الانتخابات لم يعد يسمح بإنجاز تغيير يستطيع أن يلمس المواطنون نتائجه، وهذا التركيز على الصراع السياسي قد انعكس بقوة في سوق الأوراق المالية، كما أن التقاعس عن إنقاذ الموقف الاقتصادي قد ساهم في استمرار العجز في الميزانية عند مستوى يتجاوز الحدود الأوروبية المتفق عليها داخل منطقة اليورو، في ظل تراجع نسبة الصادرات الإيطالية إلى أقل مستوى منذ خمسين عاماً، ما أدى إلى تزايد حدة الكساد والبطالة والركود، وهو الوضع الذي حذر منه رئيس الجمهورية كارلو ازيليو شامبي ·
الجاليات العربية
أحمد نور الدين رجل أعمال عربي يمتلك عدداً من المطاعم في إيطاليا، اعتبر أن الأزمة الاقتصادية الحالية، وانشغال الحكومة عن معالجتها سوف يضر بالجاليات العربية أكثر من غيرها، وبرر ذلك بقوله: إن الجاليات العربية ما تزال حديثة العهد نسبياً في إيطاليا، وهي تفتقد إلى التنظيم، وإلى الحد الأدنى من التعاون فيما بين أعضائها، وأغلبهم عاملون من الطبقة الوسطى الفقيرة، كما أن امتداداتهم العائلية بعيدة في الوطن الأم، لا تقدر في الغالب على مساعدتهم إذا ما ساءت أحوالهم الاقتصادية، وهناك جزء كبير من هذه الجالية لا يتمتع بإعانات البطالة، بل ويرتبط وجودهم القانوني في البلاد، وتجديدهم لتصاريح الإقامة باستمرارهم في العمل، لذا فإن التراجع الاقتصادي الذي سيؤدي حتماً إلى إفلاس شركات، وتسريح عمال سيضر بقوة بالجاليات العربية، من ناحية أوضاعهم الاقتصادية، بل وربما من ناحية وجودهم نفسه·
أما عمار محمد، وهو رجل أعمال عربي أيضاً فيقول: إذا ما استمرت الأوضاع الداخلية في إيطاليا على ما هي عليه فلا شك أن الحكومة ستستمر في الانكفاء على الصراع السياسي من أجل البقاء مما يعني استبعاد القضايا الخارجية بما في ذلك العربية من دائرة اهتمامها، بل وسيؤدي إلى تباطؤ في دفع العلاقات العربية الإيطالية، وهو ما يمثل خسارة لا شك فيها بالنسبة للمنطقة العربية، التي تحتاج قضاياها الشائكة إلى الدعم الأوروبي
شبح اسمه الصين
في ظل حرية التجارة، وفي ظل التوجه العالمي نحو إلغاء الجمارك أو الحد منها، وهو التوجه الذي طرحه الغرب المتقدم كي يساعده في إحكام قبضته على أسواق الدول النامية والفقيرة، ظهرت المنتجات الصينية رخيصة الثمن لتكتسح ليس فقط تلك الأسواق ، وإنما أيضاً أسواق الدول الغربية نفسها، وتسابق متنفذون غربيون على استيراد تلك المنتجات، وفتح الطرق أمامها عندما أدركوا أن ذلك سيعود عليهم بالثراء أسرع وأسهل من ممارسة الإنتاج محلياً، لينقلب السحر على الساحر، ولتهدد منتجات الصين وجود العشرات من المصانع والمؤسسات الإنتاجية الإيطالية، وقدرت إحدى الدراسات عدد العمال الذين ينتظر أن يفقدوا وظائفهم، وينضموا إلى طابور العاطلين خلال الأشهر الستة القادمة بسبب غزو المنتجات الصينية بخمسين ألف عامل، وهنا دعا رئيس الجمهورية لاتخاذ سياسة موحدة أمام الغزو الصيني من أجل تجنب وقوع كارثة اقتصادية كبيرة ليس في إيطاليا وحدها، وإنما في كل دول المجموعة الأوروبية· وقد اتفقت ردود فعل المعارضة والنقابات العمالية مع الإنذار الذي وجهه رئيس الجمهورية الإيطالي إلى دول المجموعة الأوروبية، وأسرعت ثلاث عشرة دولة من دول الاتحاد الاوروبي علي رأسها ايطاليا وفرنسا بتقديم طلب إلى المفوض الأوروبي لشؤون التجارة الخارجية تطالب فيه بضرورة فرض إجراءات مشددة لمواجهة الغزو الصيني·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©