د · رسول محمد رسول:
لا شك في أن الفجوة بل الفجوات كثيرة وكبيرة بين الغرب المتقدِّم والشرق المتأخِّر، وفي ظل ثورة المعلومات وانفجار المعارف الجديدة كشف الحال العربي عن حجم التأخر الكبير في التواصل مع منجزات العقل الغربي في مجال ما توصل إليه من علم ومعارف متطورة من حيث الكم والكيف أو النوعية·
وإذا كانت المشكلات في المجتمع، أي مجتمع، تبدأ بتشخيصها، فإن عدداً من المؤسسات المتخصصة وكذلك الباحثين المتخصصين أولوا الفجوات التنموية التي تواجه المجتمع العربي أهمية لافتة، ومن ذلك الفجوة الرقمية التي تواجه المجتمع العربي في المرحلة المعاصر، والتي حازت اهتمام عدد من مؤسسات الدول العربية في عام 2003 وفي شهر نوفمبر / تشرين الثاني من هذا العام من المزمع أن تعقد في تونس القمة العالمية لمجتمع المعلومات·
إلى جانب هذا الجهد المؤسساتي هناك جهود حثيثة ودؤوبة يبذلها عدد من الباحثين العرب المتخصصين في مجال المعلومات، ومن ذلك ما قام به الدكتور نبيل علي والدكتورة نادية حجازي في كتابهما الجديد 'الفجوة الرقمية: رؤية عربية لمجتمع المعلومات: الصادر عن سلسلة (عالم المعرفة) الكويتية مؤخرا·
الهوَّة الفاصلة
لقد شاع استخدام مصطلح (الفجوة الرقمية ىهىُّفٌ ىًّىلم) في خطاب التنمية المعلوماتية ويُقصد به: تلك الهوَّة الفاصلة بين الدول المتقدمة والدول النامية في النفاذ إلى مصادر المعلومات والمعرفة والقدرة على استغلالها· وهي الفجوة التي تفصل بين من يملك المعرفة وأدوات استغلالها وبين من لا يملكها وتعوزه أدواتها·
ويعتقد المؤلفان أن الفجوة الرقمية تتردد أصداؤها في أرجاء المجتمع الإنساني، وقد بدأت تترنح بفعل المتغير المعلوماتي، وتعاني اضطرابا شديدا يكاد أن يصل إلى حدِّ الفوضى العارمة· إلا أنهما يعتقدان أيضاً أن الفجوة الرقمية هي فجوة الفجوات أو (الفجوة الأم) التي تحمل في رحمها كل بذور التخلف المجتمعي، وكل ما نجم عن فشل مشاريع إنمائية سابقة، ومن شبه المؤكد أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء إنْ استمر الحال على ما هو عليه ستزداد اتساعاً وبمعدلات متصاعدة بفعل المتغيرالمعلوماتي· ولكي يضعنا مؤلفا الكتاب عند تخوم المفهوم فإنهما غاصا في اشكاليات تعريف المصطلح، وهي اشكاليات معقدة ترتبط على نحو أو آخر بنظرية المعرفة لدى الأمم والشعوب، وفي هذا الاتجاه يعد غياب نظرية معرفة عربية أحد الاشكاليات التي لا ترتبط فقد بصعوبة تمثيل مفهوم الفجوة الرقمية في الوعي العربي المعاصر إنما ترتبط بإشكالية النظام المعرفي في الوطن العربي في تمثيله لجملة المفهومات التنموية ومنها هذا المفهوم·
فجوة مركبة
في ضوء ذلك يعتبر المؤلفان أن الفجوة الرقمية هي فجوة مركبة تطفو فوق طبقات متراكمة من فجوات عدم المساواة تصب فيها بصورة أو بأخرى، وهي: الفجوة العلمية والتكنولوجية، الفجوة التنظيمية والتشريعية، فجوات الفقر كالدخل والغذاء والمأوى والرعاية الصحية والتعليم والعمل، فجوات البنى التحتية بسبب غياب السياسات التنموية السليمة وعدم توافر شبكات الاتصالات والقصور في تأهيل القوى والموارد البشرية· ولكن يبقى السؤال قائماً وهو لماذا الفجوة الرقمية؟ إنه سؤال يبدو لي استراتيجياً، وهو كذلك لدى الباحثَين حيث وقفاً عند الأسباب الرئيسة، وقالا في هذا الاتجاه: تختلف أسباب الفجوة الرقمية اختلافاً شاسعاً مع اختلاف وجهات النظر في شأنها، واختلاف مستوى تناولها؛ عالمياً أو إقليمياً أو محلياً، وكذلك اختلاف الوحدة الاجتماعية المستهدفة: أفراداً أو جماعات ومؤسسات، ناهيك عن اختلاف ظروف كل بلد وإقليم من حيث موقعه على سلَّم التقدم الاجتماعي ومدى توافر الموارد البشرية والطبيعية والمادية· والمهم يضع المؤلفان مجموعة من الأسباب هي التي تقف وراء الفجوة وتسوِّغ لها وجودها السلبي، وفي مقدمة ذلك الأسباب التكنولوجية وبالتالي الأسباب الاقتصادية التي مُني بها المجتمع العربي مثل ارتفاع كلفة توطين تكنولوجيا المعلومات، وتكتل الكبار والضغط على الصغار، والتهام الشركات المتعددة الجنسية للأسواق المحلية، وكلفة الملكية الفكرية، وانحياز التكنولوجيا اقتصادياً إلى صف القوي على حساب الضعيف· والأسباب السياسية للفجوة مثل صعوبات وضع سياسات التنمية المعلوماتية، وسيطرة الولايات المتحدة عالميا على المحيط الجيو ـ معلوماتي، وسيطرة حكومات الدول النامية على الوضع المعلوماتي محلياً، وانحياز المنظمات الدولية إلى صف الكبار· وهناك الأسباب الاجتماعية والثقافية التي تندرج تحتها مشكلات عدة مثل تدني التعليم وعدم توافر فرص التعلُّم، وانتشار الأمية، والفجوة اللغوية، والجمود المجتمعي، والجمود التنظيمي والتشريعي، وغياب الثقافة العلمية ـ التقنية·
ثلاثية الفجوات الرقمية
وافترض الباحثان وجود ثلاثية الفجوات الرقمية إذا ما أردنا أن نعتبر أن الفجوة الرقمية هي فجوة عالمية النطاق، فهناك فجوة رقمية على النطاق العالمي بين الإقليم العربي وأقاليم العالم الأخرى، وهناك فجوة رقمية على النطاق الإقليمي بين البلدان العربية، وأخيرا فجوة رقمية على النطاق المحلي داخل كل بلد عربي على حده·أما على الصعيد العربي· مع كل هذه الفجوات الرقمية فإن للعرب نصيبهم من الجهد في تبيئة المعلوماتية وبعض مداخل وشروط ردمها، وفي هذا السياق استعرض الباحثان عدداً من المؤشرات والمساهمات والنشاطات التي جرت في الدول العربية بهذا المجال في الأردن وتونس والإمارات ومصر والبحرين والكويت والسعودية ووضعونا في سياق كل الجهود التي بُذلت حتى الآن وهي جهود تبدو طيبة·
الكتاب: الفجوة الرقمية / رؤية عربية لمجتمع المعرفة·
المؤلفان: د· نبيل علي / د· نادية حجازي·
الناشر: عالم المعرفة / الكويت
الطبعة: الأولى ،2005 270 صفحة من القطع المتوسط·