الأحد 16 يونيو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«مندي» اكتشف سر خلطة الألوان فسلك طريقه إلى روائع الخط العربي

«مندي» اكتشف سر خلطة الألوان فسلك طريقه إلى روائع الخط العربي
20 يوليو 2012
اكتشف الفنان التشكيلي محمد مندي طرقاً خاصة لخلط الألوان، فعرف الطريق إلى روائع الخط العربي، الذي تذوق قطرات من جمال حروفه، فارتو، ليخط بريشته حروفاً، وصفها المختصون بأنها عنوان لفنان عاشق للجمال، لمحترف يهوى التميز، حتى زينت رسوماته العملات المحلية وبعض عملات الدول الخليجية، كما رسم مئذنة بمنطقة بطرسبرج في ألمانيا يبلغ طولها 16 متراً ومكتوب عليها نص الآذان، ومؤخراً كتب أسماء الله الحسنى في محراب جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي.وبالعودة مع الفنان محمد مندي إلى ملف ذكرياته الرمضانية، قال إن السهر واللعب ليلاً، والسرحان في الحارة، حسب تعبيره، كان من أبرز عاداته، حيث كان يجوب طرقات الحي بصحبة أصدقائه وراء المسحر، عندما يجيء ليبشر بقدوم شهر رمضان بعد ظهور هلاله، حيث يردد المسحر أهازيج وأغاني دينية تفيض بمعاني الخير والعطاء في الشهر الكريم. أحمد السعداوي (أبوظبي) - قال الفنان محمد مندي كنا بشكل يومي نسير باستمتاع وراء المسحر ونستمع لما يقوله من أدعية ومواويل عن شهر رمضان، ونفحاته العطرة، خاصة إن التواجد مع الأصدقاء والقيام معهم بجولة مع هذا الشخص الذي يدور في الحي يحمل مذاقاً خاصة كنا ننتظره نحن الأطفال بشوق وشغف من العام إلى العام. ومن العادات الجميلة التي كان يقوم بها مندي في ذلك الزمن ذكر أنه في بداية رمضان كان الأطفال يزرعون القمح في أوعية، وكل واحد منهم يهتم بهذه الزراعة التي تسمى «الحيه بيا»، بحيث كان يتم وضع البذور في أول الشهر، وحين يحل منتصفه ومع اكتمال القمر وظهور البدر يأخذ هذه البذور التي صارت نبتة صغيرة، ويذهب مع الأطفال إلى البحر في صحبة ضوء القمر فيقومون بإلقاء هذا الزرع في البحر، وكأنه احتفال بقدوم منتصف الشهر العربي واكتمال القمر. ومن شقاوتنا في تلك الأيام، حسب مندي، بعدما يقوم الأولاد والبنات برمي النباتات الصغيرة نعود بعد أن ينصرفوا لنلتقط أفضلها ونأخذه إلى بيوتنا مرة أخرى للاحتفاظ بها إلى أن نهملها ونلقيها مرة أخرى. أما أكثر الأشخاص الذين رافقوه خلال هذه الفترة ولا زالت ذكرياتهم عالقة في ذهنه، يذكر ثلاثة أصدقاء كانواً يشاركونه كافة الألعاب الشعبية التي كان يمارسها، وصلاة التراويح وكرة القدم، وتبادل الأطعمة وكذا تناول الطعام في بيوتهم بالتبادل، وهؤلاء الأصدقاء هم عبدالله بدر، وهو الآن موظف في إحدى الشركات الخاصة، وجاسم حسن ويعمل بالتدريس، وخليفة جاسم ويعمل هو الآخر بالتجارة، غير أنه لم يقابلهم من زمن طويل، ومع ذلك يتذكرهم باستمرار مع فرحة الأطفال بقدوم الشهر الكريم. ألوان الطعام ابن عمه فؤاد مندي، كان صاحب النصيب الأكبر من الذكريات، حيث كانا يكثران من السهر في رمضان، خاصة أنهما يتشاركان الهوايات نفسها، وهي الخط والرسم. وقال مندي: كنا نكتب في الليل ونعمل للمعارض التي تقام داخل المدرسة، ونتناقش في خلطة الألوان، وكنا نتأثر كثيراً بلون الأطعمة، وإذا أعجبنا لون طعام معين نكثر من الأكل منه. وأوضح أن أحب الألوان إليه هي اللون الوردي، لافتاً إلى أن هذا اللون يتكون من اللونين الأبيض والأحمر، وهما من الألوان المحببة إليه وذات التأثير القوي في تشكيل وعيه الفني، ويتأثر بهما في كثير من أعماله الفنية. وتطرق مندي إلى علاقته القوية بالألوان، موضحاً أن هناك علاقة خاصة تربطه بالألوان المختلفة، فهناك منها ما يثير حفيظته ويجعله عصبياً مثل اللون البرتقالي كونه لون صارخ وحار، وفي المقابل يشعره الوردي بالهدوء، ومن فرط عشق مندي للوردي، أكد أنه تذوقه بلسانه ليشعر بالحميمية بينه وبين ذلك اللون المبهج، وحين يستخدمه في لوحاته يستخدمه بحرص شديد خشية أن ينفد، فيتعامل معه وكأنه شيء نادر ينبغي الحفاظ عليه وعدم الإسراف في استعماله. اللون الوردي ومن واقع الحب الكبير لهذا اللون، كشف مندي عن وجود فكرة لديه لعمل معرض للخط العربي، على أن تكون جميع الأعمال باللون الوردي وسيكون تحت اسم «حرف مندي باللون الورديس، مبيناً أنه عندما يخوض الفنان بعمق في بحر الألوان يمكن أن ينفذ معارض عدة مرتبطة بالألوان المختلفة، خاصة عندما يحب لوناً معيناً، يعطيه من وقته وجهده. وبين مندي أن اللون الوردي يحمل علامة مهمة لديه، مبيناً أن هذا اللون له درجات متعددة، وكل ذلك يتكون بفعل تمازج الأبيض والأحمر وقدرة الفنان على الاستخدام بشكل دقيق وصولاً إلى درجة الوردي التي يريدها. وبسؤاله عن الذكريات الطفولة الرمضانية والأيام التي كان يختلس فيها الإفطار من وراء الأهل خوفاً من العقاب، أجاب مندي ضاحكاً:الكثيرون كان يرتكبون هذه الحركة البريئة، وأنا كنت واحد منهم، فعندما كنت أتعلم الصوم في الطفولة، كنت أرجع من المدرسة وأبحث عن الطعام المتبقي من وجبة السحور، ليكون ذلك هو الطعام الذي أتناوله من وراء الأهل، وحين يسألوني أخبرهم أني صائم، غير أنهم يطلبون رؤية لساني ليتأكدوا من صدق كلامي، ولكنهم يكتشفون الحقيقة، وحينها يكون العقاب بالجرمان من تناول الطعام معهم أثناء الإفطار، وكذلك إبلاغ مدرسي حتى أشعر بالحرج، وكي يعلمني حكم الصوم وفوائده، حتى تتولد لدي عزيمة تساعدني على الصوم. أما عن المقاهي الشعبية قديماً والفارق بينها وبين المقاهي الحالية، فقال مندي إن المشروبات في رمضان قديماً كان لها طعم مختلف، حتى الشاي بالحليب كان له نكهة مميزة هو والخبز الذي كان يأتي مصحوباً معه«البوراتا»، وكان يصنعه الأهل بأنفسهم، كما كنا نلعب لعبة «الكيرم» أثناء جلوسنا على المقاهي، وهي عبارة عن لوح خشبي له أربع فتحات في أركانه الأربعة وهناك 9 أقراص بيضاء وأخرى سوداء، وقرص واحد أحمر كان يعادل خمسة أقراص في نتيجة اللعب، وتكون اللعبة برمي هذه الأقراص داخل الفتحات الموجودة في الزوايا الأربع على أن يسجل الفائز 29 نقطة، وكان يتم توزيع مسحوق ناعم على اللوح الخشبي لتسهيل حركة الأقراص، واللعبة في مجملها تشبه إلي حد كبير لعبة البلياردو، لكن دون العصاة المستخدمة في ضرب الكرات. عشق الخط وكان مندي يتجمع مع أولاد عمه في الصيف ويقومون بصباغة البيوت من أجل اكتساب دراهم قليلة تعينهم في تلك الأيام، ومن خلال هذه التجارب البسيطة استطاعوا التعرف على عالم الألوان، إلى أن انتهى الجميع من طور المدرسة، والانطلاق في مجالات الحياة المختلفة، غير أن مندي اتجه إلى الفن وصار أكثر اندماجاً مع عالم الفن والألوان. ثم كانت الخطوة الأهم في حياته الفنية عام 1975 حين ذهب إلى القاهرة وتحديداً حي باب الشعرية العتيق في قلب القاهرة القديمة، ليلتحق بواحد من أعرق معاهد الخط في المنطقة، وهو معهد تحسين الخطوط العربية في القاهرة، حيث تعلم على يد الخطاط سيد إبراهيم، الذي كان مرافقاً لعباس محمود العقاد وطه حسين وأحمد شوقي وغيرهم من الأدباء والشعراء. الأب الروحي ولفت إلى أن سيد إبراهيم صار الأب الروحي له وعلمه الكثير ومنحه مفاتيح النجاح في عالم الخط، ونصحه دائما بالتواضع وحب الخط، وعلمه أن التميز في الخط يعتمد على الجهد والتفكير والإبداع. وأوضح أنه حين تقدم لاختبارات القبول بالمعهد اجتاز كل المستويات ودخل إلى السنة الثالثة مباشرة في المعهد الذي كانت مدة الدراسة به 4 سنوات، وأشاد به المدرسون مؤكدين أن خطه جميل ولا يحتاج فقط سوي تعلم قواعد الكتابة. وبعد ذلك حصل مندي على دبلوم الخط وسجل مفاجأة كبرى بحصوله على المركز الأول على سائر إنحاء الخطاطين في مصر وحل تالياً له أشهر خطاطي مصر الآن الفنان خضير البورسعيدي، وهو ما اعتبره إنجازاً كبيراً لم يكن يتوقعه وأعطاه دافعاً معنوياً كبيراً لتقديم المزيد في مسيرته مع الخط العربي. سجل إنجازات وقال الفنان محمد مندى: عقب الدراسة في القاهرة رجعت إلى الإمارات بفرحة كبيرة وقلب مفتوح، أريد أن أخدم وطني وأبني هذا الاسم على أسس فنية راقية، وكنت أتمنى أن تصبح أعمالي على عملة الإمارات وهو ما تم بعد ذلك على عملة الإمارات من كافة الفئات، ولم أكتف بذلك، إنما امتد تطلعي إلى جواز السفر الإماراتي، وهو ما حدث بالفعل ثم جواز السفر الكويتي وعملة البحرين، كما قمت بتصميم مئذنة في ألمانيا بمنطقة بطرسبرج ويبلغ طولها 16 متراً ومكتوب عليها نص الآذان، واعتبر هذه العمل من أجمل الأحلام التي حققتها خلال عملي بالفن. ومن الأمنيات التي وفقني الله فيها، كتابة أسماء الله الحسنى في محراب جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي، كون عملي جاء في أفضل مكان في واحد من أجمل المباني الزاخرة بالعمارة الإسلامية في العالم في العصر الحديث. القرآن والعبادة وحول ما يمثله رمضان لمندي في المرحلة الحالية، قال: بالنسبة لي الآن في هذا السن يتمثل في قراءة القرآن والعبادة، وفي الوقت ذاته استخرج من القرآن آيات قرآنية أقوم من خلالها بمشروع جديد للكتابة. وبالحديث عن الإبداع يعتبر مندي أن أعز لوحاته على الإطلاق هي كتابة أسماء الله الحسنى حول الكعبة، وجاءته الفكرة، حسب قوله، حين كان واقفاً في الدور الأول في محيط الكعبة بعد أن أنتهى من مناسك العمرة، واستغرقت اللوحة 7 أشهر، واستخدم فيها نوع الخط الجلي ديواني، وهو ما يعكس جيداً فرحة الناس لأنه خط ثري بانحناءاته المعبرة. وتطرق مندي إلى نوع آخر من الفن برع فيه، وهو الرسم بالكلمات الذي يعكس امتزاج حبه للخط والرسم معاً، حيث يعتبر أن عملية الرسم بالكلمات بصمة لأعماله، ومن خلالها يبرز أسلوبه في الرسم بالكلمات، وكيف تغلب على صعوبات هذا النوع من الأعمال الفنية. التغير العمراني وبالعودة إلى التغيرات التي طرأت على المجتمع، أوضح أن أول ما يلحظه المرء في هذا المقام هو التغير العمراني، فقديماً كانت الحارة تجمع الناس، وكانت البلد صغيرة، أما الآن فحدث التوسعات المختلفة، فتركت تأثيرها على المناخ العام، فأصبح البعض لا يشعرون بأجواء رمضان كما كان في السابق. وتابع مندي: أتغلب على هذه المشاعر بمحاولة الاجتماع مع أصدقائي، بعد أن أفرغ من قراءة القرآن الذي أخصص له وقتاً كبيراً في رمضان، حيث أحرص على مطالعة القرآن بإمعان وعمق ومن خلال هذا التمعن أستشعر عظمة آياته، وهذا لا يعني أنني أتوقف عن العمل، فالفنان لا يجب أن يتوقف عمله أبداً، خاصة عندما يكبر ويحصل على جوائز. إضاءة قال الفنان محمد مندي إنه كان في البداية يمارس الرسم مع أولاد عمه الستة، وهم جميعاً عاشقون للرسم والخط العربي بأشكاله المختلفة، حيث كانوا يقومون برسم كل مظاهر البيئة المحيطة بهم من طيور، بحر، سفن، أحياء شعبية، أسواق، كما كانوا يرسمون وسائل الإيضاح لمدارسهم، ومجلات الحائط، وأيضاً على جدران المنازل باستخدام الفحم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©