بعضهم يكسر فناجين قهوته، قلقاً، وغرقاً، في مستنقعات غيرته، وحسده، وحقده عندما يصدمه تفوق الآخرين، فنجده يجند أسراب غربانه، لينعقوا، ويسددوا سمومهم، وسقومهم وشؤمهم، باتجاه الآخرين والذين لا ذنب لهم في هذه الحياة، سوى أن الله حباهم بملكات تفوق تخرصات أولئك الدون، ومن أنهكت أكتافهم عقد النقص، ومركبات العجز.
هؤلاء لا يملكون من حول ولا حيلة سوى أنهم يؤلبون جرذانهم لكي تقرض، شراشف الأذكياء وتقرص أطراف أصابعهم، ولكن لا جدوى من هذا التحريض، والتقريض، والحضيض والرضيض، لأن مملكة الحنكة، بنت عرشها في السماء، وقارعت النجوم، وارتشفت من قطرات السحابات الممطرة، فارتوت، وروت، حتى صارت النجود تغار من ينوعها، وأصبحت الجياد تحسد أناقتها، وأمست الورود منتشية جراء فيض عبقها، وأضحت الأنهار تستقي من عذوبة جداولها، وهنا مربط الفرس فكيف لأولئك الأشباه من أجنحة تجعلهم في سبل الفضاء، مرفرفين، محلقين، نقول لا مجال، فالحياة لا تؤخذ إلا بفطنة النجباء، وحبكة النبلاء الذين طوقوا أعناقهم بقلائد التفوق، ونطاقهم هو هذا الخيط الممتد من الأرض حتى كواكب السماء، لا مجال، ولن يسدي الحقد نفعاً، لمن عاشوا على هامش الحياة طفيليات لا تُرى بالعين المجردة، يقتاتون من حنق، ومن احتقان، ويشربون من حثالة المكائد وتنمو أحلامهم على حصر فقر ذات اليد، وتكبر في عيونهم فقاعات أمواج الغضب ولا يكبرون، وتتضخم في أبدانهم حرقة الفقدان، والخسارات الموجعة، ولا يجدون ما يطفئ حرائقهم، بينما الأوفياء للحياة، والناس، تنمو أزهارهم، وتملأ الحقول، والفصول، وتزدهر وجوههم بابتسامات النصر، والظفر بالعلياء، والانتساب إلى عالم سما بنفسه عن الصغائر، وتسامى محققاً قيم الحكماء، منجزاً مشروعه الإنساني بكل تقانة، ورزانة، وأمانة. إنهم رجال عاهدوا الله على أن يكونوا للإنسانية عضداً، وسنداً، وصداً، ومداً، ومدداً، وامتداداً لحضارات أشعلت الكون ضوءاً، وأضاءت الوجود فكراً.
هذه هي حكايتنا مع الرقي، وهذه هي حكايتهم مع الضعف، والضعضعة، وانهيار المعنى والمعنويات. هذه هي سيرة بلد تأكدت من قدرتها، فمضت، وتجلت، فتجللت، بسندس التطور ورفلت إستبرق الرفاهية، وبذخ الأحلام الواسعة.