إذا ما كان يقول الأولون، سافروا ففي الأسفار خمس أو سبع فوائد، فإن من منغصات السفر، ومرافقة بعض المسافرين ما يزيد على عدد فوائد السفر:
- أول الذين عليك أن تتجنب السفر معهم أولئك الذين يحملون مشكلاتهم معهم، وضمن حقائب سفرهم، فيظل طوال السفر يحلّ في تلك المشكلات أو يحملّك بعضها، فتكتشف بعد فترة أنها ليست مشكلاته وحده، بل غدت مشكلاتك، وعليك أن تسهم بكل جهدك، وما أُتيت من علاقاتك في حلّها خلال أيام ذلك السفر.
- من منغصات رحلات السفر أن تترافق مع أفراد العائلة، وتكون هواتفهم ومحمولاتهم الهاتفية بأنواعها في أياديهم صغاراً وكباراً، فينقضي اليوم وكل واحد متوحد مع عالمه الافتراضي، حتى يجعلهم هذا التوحد أشباه كسالى، غاطسين في وهج الشاشات، يلفهم الصمت، لا الاستمتاع بالأكل الجماعي، ولا الفرح باكتشاف معالم المدينة، ولا ذلك النهوض باكراً مثل فرق الأشبال والكشافة والجوالة، هو سفر في الفنادق، وفي عوالم افتراضية، وهو سفر ملخصه خسارة فلوس.
- من الذين عليك تجنب السفر معهم أولئك الأشخاص الذين كتب عنهم «الجاحظ» أهم كتبه الساخرة، هؤلاء سيغصصون عليك حياتك، لأن حساباتهم تتضارب حتماً مع مصالح السفر والمتعة، فالسفر حساباته مختلفة، ولا تخضع إلا لقانون الفرح بالأشياء، ومثل هؤلاء تقول الواحد شاكْنّه برمح إذا ما انتفخت فاتورة المطعم أو رغبت بزيارة مدينة أخرى طارئة ظهرت لك بالحظ، وأن فيها موسم قطف العنب وعصره بأقدام فتيات الريف المتوحشات، أو فضلت أن تركب سيارة «ليموزين» مع سائقها المهندم، بدلاً من «تكاسي أو طاكسي» بعض المدن التي تسير بالبركة.
- من المتعبين في السفر أولئك الفئة من المرافقين «النباتيين» يظلون يوسوسون لك في الطالعة والنازلة، ويتهجمون على فصيلة الأسود والنمور وفرائس الغابة، ويمتدحون كل ما هو أخضر، ويتواءم مع عصاراتهم الهضمية، وقدسه «غاندي» في آخر حياته، هؤلاء إذا ما مررنا بمطعم مختص بلحم «الاستيك» بأنواعه، أمسوا يتعوذون منا ومن آكلي لحوم البشر، سبحان الله مع هؤلاء حتى «العيش الشيلاني» تهم، وبلا ملح، تقول طابخينه حق الجن، وإلا الخضراوات المسلوقة تقول وأنت تأكلها، وكأنك تعض يد «ياهل بو شهرين» كلها «فودر ورطبة».
- من الناس غير المرغوب بهم في السفر، ومتعته القصوى، ودهشة الاكتشاف، وطلب المعرفة، والاندماج مع الناس في مدنهم، وعلى طبيعتهم، أولئك النفر المتشددين، هؤلاء يمكن أن تكون معهم في المطار وينتبذون مكاناً قصيّاً، وعادة ما يكون في ممرات المطار، ويقيمون الصلاة، وبعضهم لا يأخذ بالرخص في السفر، فيطلب منك تجديد الوضوء، وأنت في المطار، ويصلي بك الظهر أربعاً، وبعدها يتسنن بأربع، والناس تتفرج، وتصور بهواتفهم، ويربك سير المسافرين، ويحدث ربكة في المطارات، وربما يستنفر أمنها خاصة في مطارات بعيدة وملتزمة بالتعليمات القصوى مثل اليابان والنرويج وفنلندا.