يقول الإمام الشافعي:
تَغَرَّبْ عَن الأَوْطَانِ في طَلَبِ الْعُلَى
                          وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ
تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ
               وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِد
غير أن مثلما للسفر فوائد، فإن له مصائب، بعض من هذه المصائب والعواقب التي تعترضنا، ونعدها تعقلاً من أجل اكتساب معرفة الناس، واكتساب خبرة في الحياة، ومعرفة محاسنها وأضدادها، لتكون لنا زوادةً ومُعيناً فيها، وفي تقلب أيامها وسنينها:
- أكبر عقبة في السفر أن تصطحب امرأة كثيرة الشكوى، قليلة الصبر، دائمة الزعل، مثل تلك المرأة، مهما تحملتها، وغضَضْت عنها، ولو كان صدرك أكبر من «الهبّان»، لكن ستأتي ساعة من غضب مبيت، وراكد، وستتركها وحدها في حديقة عامة فجأة، أو تلغي رحلتك على عجل، وتهم بالرحيل عنها، لكنها بعد ساعة ستتصل وهي تبكي وتتودد، وتذكرك بالذي مضى، وانقضى، وأنك ما عدت تحبها، كل ذلك لتخفي ندمها، ولا تبدي أسفها، فلا يملك قلبك الأخضر، وصدرك الذي كبر «الهبّان» إلا أن يسامح بحذر، وتوجس من رحلة أخرى، قد لا تحظى بها ثانية.
- من المضجرات في السفر أن يكون رفيق رحلتك من أولئك المحاسبين التقليديين، يُحوّل كل شيء إلى الدرهم قبل أي شراء أو دخول مطعم أو أي عملية يعتقد أنه سيكون مغموطاً فيها على الدوام، فلا تعرف كيف تتصرف مع الصراف «لاري» أو «أنصاري» في كل عمليات تلك الرحلة التي يودها أن تنتهي بلا خسارة واضحة؟
- من رفقاء السفر غير المريحين، أولئك النفر من المشككين المتوجسين، دائماً يعتقدون أن الآخر سيغشهم لأنهم مسلمون أو يضحك عليهم في السعر أو يستغلهم لأنهم خليجيون أو يمقتهم ولا ينصحهم لأنهم عرب ونفطيون، فإذا ما دخلوا مطعماً تظل أسئلتهم عن اللحم الحلال والخنزير، وإذا ما دخلوا محلاً يتظاهرون أنهم من بلدان تعيش دون خط الفقر، وإذا ما تحدثوا للآخر، ولو كان «كونسيرج» في الفندق، تجدهم يتعصرون بالإنجليزية، ويحاولون تقليد لَكْنَة سكان «ويلز»، وسيحاولون أن يثبتوا له أنهم على قدر عال من الدراية والفهم والمعرفة الموسوعية.
- من الأشخاص المتعبين في السفر، أولئك الذين حين تراهم، وترى حقائبهم، تدرك أن مرافقك عبارة عن صيدلية متنقلة، من وصفات شعبية أو أدوية صحية، وأول زياراته لمعالم المدينة، ستكون صيدلية قريبة من الفندق حتماً، يتمنى أن يجد فيها مبتغاه من تلك الأدوية المشعة بألوانها الزرقاء والحمراء، وشعاراتها الملتهبة؛ لسعة «الدِبيّة» أو صورة الأسد الغاضب أو التنين الحارق، مثل هؤلاء لا بد وأن يجلبوا لك المرض ولو بعد حين أو أقلها الشعور بالحمى أو بعض من الأوجاع المقترحة في أعمار الخمسين والستين التي تهرب منها، المشكلة الحقيقية مع هؤلاء الصيادلة المسافرين، والرحالة المتمارضين، أنهم يجعلونك تَرْوَحهُم مثل «الصَّبِر والخِيلّ»، وإذا ما اصطحبتهم في جولة في المدينة، تشعر دائماً، وكأنك مصطحب علبة «نشادر أو بودرة تَلْكّ أو شاش قطني» متحرك.