بين فترة وأخرى يهديني صديقي الشاعر قصيدة جميلة بصوته الذي يأتي متدفقاً عذباً يزين الأحرف والعبارات والجمل والمعاني التي تقدمها القصيدة، حيث يملك صوتاً شعرياً متمرساً في الإلقاء وتقديم الشعر، ولعلّ خبرته في المنابر الشعرية وتجربته في طريقة تقديم القصيدة تزيد من روعة الشعر، سواء أكان غزلياً أم اجتماعياً، يقف على الكلمات والمحطات المهمة في القصيدة ليشعرك بالحروف والمعاني والمقاصد البعيدة وأعماق النص. يرحل مع شعره الجميل يحلق في سماء القصيدة، ينهض بالنص ويخفضه مثل موج البحر، وفجأة يهب صوته مثل النسيم أو الريح، لتصبح القصيدة شراعاً يقود سفينة الشعر إلى المراسي القريبة أو البعيدة، تلمع بعض محطاته مثل نجم سارٍ، وتبرق بعض الفقرات الشعرية الحادة والقوية مثل برق في شتاء تحتله السحب والمزن.
الشاعر المتمكن من قصيدته والذي وهبه الله جودة الإلقاء وصوتاً منبرياً خطابياً شاعرياً، ينهض بالقصيدة عالياً ومحلقاً يأخذك معه في رحلة شعرية حالمة أو ممزقة لأستار كل الحواجز، الشاعر المبدع في سكب القصيدة/ الشعر والمبدع في الإلقاء يأخذك معه، حيث رحلت القصيدة أو النص، وعندما تجرب أن تقرأ النص مرة أخرى، فإن التذوق الشعري والإحساس بالمعاني والكلمات مختلف تماماً، وحده يعرف أين يقف، وأين يخفت صوته أو يرفعه مثل الريح أو العاصفة أو الرعد، حدة أكثر إحساساً بأماكن اللوعة أو البعد أو الهجران، وحتى الفرح والنشوة.
وإن ظل الشعر هو الشعر بروعة القصيدة وحبكتها وصياغتها، ولكنها تكون أروع بصوت صاحبها، يمر الشعراء مثل زرافات راحلة في المساحات الواسعة، ويحلقون مثل فراشات الحقول الزاهية الملونة، يختلفون في السكب والنظم وامتلاك الموهبة والإبداع وإن قبض الجميع على ناصية الشعر والقصيدة، ولكنهم يختلفون في الطريقة والطرح والتفكير أنهم مثل الأشجار كلهم يملكون اللون الأخضر الجميل، ولكن أيضاً يختلفون مثل الأشجار أيضاً في الأوراق بين الحجم والشكل والنعومة أو الخشونة، وكذلك يختلفون في أنواع الأزهار/ القصيدة المبدعة الرائعة، حيث نستطيع أن نقول: الجميع شعراء، ولكن لكل واحد حقلاً وبستاناً وأزهاراً، قد تجري المياه والأنهار تحت وإلى جانب الأشجار، ولكنها ليست كلها تملك أجمل الورود ولا عطرها.
بعض الشعراء قد يقدّم نصاً جميلاً وقصيدة بديعة وجميلة، ولكن لا تود أن تسمع صوته، سواء قرأ قصيدته أو قصيدة أي شاعر آخر، بل إنه لا يجيد القراءة الجيدة ولا نطق الحروف بشكل جيد، بل تود أن تهرب منه بعيداً ولا تسمع له شطراً واحداً. ليس كل الشعراء يصلحون للقراءة أو إلقاء الشعر، بل قد يهدمون القصيدة وصورة الشعر الجميلة. وحده الشاعر المبدع الذي وهبه الله كل شيء يخص الشعر من النظم والسكب إلى الإلقاء الجميل.
صديقي الشاعر الجميل المبدع بين فترة وأخرى، يقدّم هديته الشعرية بصوته الجميل البديع، اكتمال الشعر بين النظم والإلقاء هو الشعر الحقيقي.