تجول في «براغ» وستتعثر في كل ركن وزاوية بشيء من جمالها، وتفاصيلها الأخاذة، «براغ» الجميلة أو «براها» بالتشيكية، عدن النساء فيها لتبرجهن الأنثوي كعادتهن، ونزعن عن كاهلن خشن الثوب، وما عدن يخشين أن ينجبن للوطن أطفالاً يعرفن أنهم لن يجندلوا في ساحات الحروب البعيدة والمجانية دفاعاً عن مطرقة ومنجل، لا يحصد إلا النفوس البريئة، عادت الأبهة الملكية، وإرث عائلات تاريخية حفرت علاماتها للوطن وحده، وأن خريطة الوطن الواحد إن لم تكن منحوتة بضلوع الحب، ومعنى الولاء، فلن تكون خريطة مقاومة، وأن رياح التفرق ولو لم تكن غير عاصفة، ستمزقها من هبوب ليل قصير.
اليوم... والمكان براغ، اتأسى على واحدة من بلدان البلطيق، زرتها ذات صيف، وكانت يوماً تحت هيمنة دب سيبيريا كحال «براغ»، لم أجد إلا تاريخاً مستلباً ومسروقاً على غفلة من أبنائها، وموزعاً على جيران يحدونها جغرافياً، كان بلداً خالياً من أي تمثال لوطني أو زعيم تاريخي أو مفكر عرفه العالم، وعرّف العالم بوطنه، أتذكرها الآن، والآن أكثر والقدم في «براغ» في وقتها الجديد، وتاريخها الذي يسطره أبناؤها فقط، محظوظة هذه المدينة التي تأسست في أواخر القرن التاسع الميلادي وأصبحت مقراً لملوك بوهيميا، وفي القرن الرابع عشر الميلادي أمر الملك الروماني «تشارلز الرابع» بتخطيط المدينة، وإعادة عمرانها الذي ما زال  ماثلاً حتى اليوم مثل: «جسر تشارلز» الواصل بين ضفتي نهر «فتلافا» رابطاً «مالاسترانا» بالبلدة القديمة، بطول 516 متراً، و« كاتدرائية القديس فيتوس»، وهي أقدم كاتدرائية على النمط القوطي في أوروبا الشرقية، وهناك جامعة «تشارلز» التي تعد من أقدم الجامعات في أوروبا.
في عام 1748 م، ضمت «براغ» في توسعها أربع بلدات مجاورة لها، تتوزع فيها القصور ذات الطراز «الباروكي» المميز، «براغ» احتلها السويديون والفرنسيون والبروسيون والنازيون الألمان والروس، لكنها لم تطلها يد الخراب والتدمير في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي حافظت على طراز معمارها المميز، يبلغ عدد سكانها 1.2 مليون نسمة، ومساحتها نحو 500 كم مربع، حظيت بألقاب كثيرة، منها: «المدينة الذهبية»، و«أم المدن»، و«مدينة المئة برج»، حيث يغلب على كنائسها وقصورها الأبراج المشيدة عليها، والتي هي اليوم تعد إرثاً ثقافياً إنسانياً، أدرجت عام 1992م على لائحة «اليونيسكو»، من أبرز معالمها السياحية التاريخية، «ساعتها الفلكية المشهورة»، عجيبة الدهر، والساحة العامة للبلدة القديمة عشق السياح وزوار المدينة، وحي اليهود «يوزيفوف»، و«ساحة فاتسلاف» حيث المتحف الوطني، والمركز التجاري للمدينة، ولعل ما يميز مدن أخرى في التشيك السياحة العلاجية، حيث المياه الساخنة والينابيع الكبريتية، والتي تحتوي على كثير من المعادن، خاصة مدينة المشاهير «كارلو فيفاري»، التي اكتشفها الرومانيون قبل ما يزيد على الألفي سنة، «براغ» هي المدينة الوحيدة التي لا يمل الإنسان منها، ولا الحديث عنها، هي كباريس الصغرى لكنها أجمل.