صعب علينا نحن الذين من أجيال مختلفة أن نحكم ونحاكم الأجيال الجديدة والأجيال المقبلة، قائلين، كما كان يقول شوابنا قديماً: «والله ما ظهرت على بذر أهلك» أو «ما شابهت جدودك»، اليوم الحراك في مجتمعنا متسارع، وتتعامل معه تأثيرات داخلية وخارجية نحن جزء منها، وصنعنا بعضها، وقبلنا بتلقي الأشياء الوافدة منها، كوننا مجتمعاً منفتحاً على الآخر، وراضياً باستقبال الآخر المخالف في الثقافة والمغاير في اللغة والهوية، وما ارتضينا أن نكون عليه كأفراد في مجتمع حديث ومعاصر وينتمي لمفهوم الكوكبة أو المونديالية أو الغلوبال أو «E Citizens»، علينا أن ندفع ضريبته مثلنا مثل غيرنا من الشعوب المتحركة لا الشعوب المنغلقة والثابتة.
جميلة كانت أشياؤنا في الماضي، ومتجانساً كان مجتمعنا في الماضي، والأخلاق والعادات والتقاليد تسيرّه، لبساطة الناس وطيبتهم، وطبيعة السكون الذي يلف مجتمع ما قبل النفط، لكن ما أن تفتح نوافذك للريح، وتبني جسراً للتواصل، وتبني مطاراً وميناء لاستقبال الطيور المهاجرة والنفوس المسافرة، وتخلق الفرص، وتكون على خريطة العالم المتقدم، عليك أن تنظر للمتغيرات والتأثيرات والتبدلات على حالك وأحوال مجتمعك بلا فزع، ولا مقارنة ظالمة، وأن ترضى بدفع فاتورة الانفتاح، وحراك المجتمع، ولا ننشد المثالية المفقودة، ولا نكون حرّاساً وهميين لكل متغير يظهر على سطح مجتمعنا، لأن هذه الأشياء تيارها أقوى وستكثر وتتراكم وتزعج كل واحد أراد أن يكون «محافظاً» أو حالماً بالعرش القديم.
اليوم «راعي الفزعة وأخو شما» إن بحثت عنه في المجتمع فبالكاد تتصيد عشرة أنفار من المجموع، في حين كان مجتمعنا القديم، قلما تجد إنساناً غير شهم ولا خدوم، ولا راعي واجب، اليوم حتى القوانين شذبت روح «أخو شما» وصاحب الفزعة، وتعقيدات الحياة جعلتهما يتدبران قبل أن يتصرفا، ويحسبا ألف حساب قبل الفزعة والنخوة وإغاثة الملهوف، والأمثلة كثيرة، ولو أردنا أن ننتقي ونقارن ستعجز ركائبنا، فالخنجر قديماً كان زينة الرجل وسلاحه وخزينته للأيام، لكنه مع التغييرات والتبدلات في مجتمعنا، فرض عليه الحصار، وضيّق عليه الأمكنة حتى أجبر على الاختفاء والتلاشي من أيامنا، اليوم إن تحزّم رجل بخنجر، وذهب إلى أي مكان فقد يتعرض للاستهزاء والمنع والاستغراب ولكثير من الأسئلة سيحلف بعدها أيماناً غلاظاً أن لا يعيد ارتداءها، في الزمن القديم البسيط لا يمكنك أن تجد شخصاً واقفاً على الشارع وأنت الراكب فلا تتوقف وتركبه معك وتوصله لمقصده، اليوم إن لقيت أحدهم على قارعة الطريق، ستفكر مائة مرة، وستطرح على نفسك عشرات الأسئلة، والتي ستتبعها، وتترك ذلك الواقف في مكانه، في زمن البساطة كنا نقدم الخير والنية الطيبة تجاه الغير، وفي مجتمع الحداثة والتمدن نقدم الأسئلة والهواجس وتبني الشر من الغير!