في معرض الشارقة، وأنت تلج البهو الفسيح، وكأنك تغوص في المحيط، هناك وجوه، ومشاهد تدعو للفرح، وتشعرك بأن الإمارات فعلاً تدخل عصر الفتوحات الثقافية بإمعان وثقة وقوة، تشعر أن الكتاب الذي قالوا عنه، قد تغرب شمسه في أقرب وقت، يثبت اليوم أنه يجدد أغفلته، كما يستحدث قدرته على الإقناع، ولا قوة تستطيع إخفاء هذا المؤرخ الكبير للكلمة والمسطر العملاق لأبجدية الوعي البشري.
الكتاب سيظل في الوجدان الإنساني، مثل الدم في العروق، مثل القلب في الجسد، مثل الحلم الجميل في ذهن العفوية، مثل الموجة في البحر، مثل الجناحين يحلقان بالنورس.
لا شيء، ولا قوة تستطيع إبعاد الكتاب عن مكانه ولا سطوة يمكن أن تمحو الكلمات عن الورق.
فللكتاب سطوته، وقوته، وعطره وبوحه، ونسقه وسره السحري في ذاكرة البشر، فكيف لقطعان الماشية أن تدوس بحوافرها على جداول الماء وهي تحفر بصماتها على تراب يعشق الماء، كما تعشق الغزلان رائحة العشب؟ نحن اليوم في قرن يذهب ماشياً على سبر الكلمات، مخضوبة بحناء الوعي بأهمية أن يكون للكتاب مساحته الواسعة كي تمضي ركاب الحلم في الاتجاه الصحيح ولا داعي للدهشة من وسائل قد يكون لها الصولجان المرحلي، ولكن البقاء دوماً للأصلح، ولا أصلح إلا للورقة مدموجة بخضاب، وعبير، لون كلون العينين في وجه غسلته أهداب الشمس بسبك الجواهر وقلائد الأثمان الباهظة.
الكتاب وهو يُحمل بين الأيدي تشعر أن له رونق الطفولة، وبراءة الشجرة التي جاءت منها وريقاته، حتى أنجبت هذا الإرث الثمين.
والحقيقة أن معارض الكتاب في بلادنا تكرس اليوم هذا المبدأ، وتحمي أواصره من الغث والرث، وتتحمل مسؤولية الحفاظ على الكتاب كترياق يحفظ الود مع الحياة، ويرعى سلامة العلاقة بين الإنسان والكلمة، ويسبر غور ذلك القابع في الصدر وكيف يبتهج عندما يرى جيلاً من الصغار وهم يؤمون دور النشر باحثين عن كتاب تهمهم قراءته، واقتناؤه في مكتباتهم.
هذا هو السر الذي يجعلنا نتمسك بالكتاب من دون المساس بقيمة الوسائل الأخرى، ودورها في نشر الوعي إن أحكم الضبط في ممارستها، فهي ليست بعيدة عن الدور نفسه إذا تمكنا من الاستفادة من محسناتها، واستثمار قدرتها على توصيل المعلومة الصحيحة، والسليمة، والمعافاة من شوائب الفكر، وخرائب المشاعر.