الرياضة وحدتنا في غضون أيام قلائل، ومن غير شعارات، ولا مظاهرات، ولا مؤتمرات، ولا أيديولوجيات صماء ولا ثرثرة، ولا كركرة، فالرياضة بعفويتها، وشفافيتها، ونقائها، وصفائها، استطاعت أن ترسم قاسماً مشتركاً لوجدان الملايين من بني العرب، حيث رأينا في المباريات التي خاضها المنتخب، العربي المغربي، ضد المنتخبات الأخرى كيف ارتفعت الأيادي مؤازرة، ومؤيدة وداعية لهذا العروبي أن يتفوق على المنتخب الآخر. 
سمعنا، ولمسنا كيف هدرت الحناجر كالموج تهتف باسم المغرب، وعلم هذا البلد، كان وشاحاً يلف الأبدان، كان لثاماً يعطر الوجدان، والفرحة ملأت شوارع العرب من المحيط، حتى الخليج العربي، اعتزازاً بما أبدعه الأشقاء وفخراً بجهودهم التي كللت الرؤوس بالرفعة، ووسمت الصدور بأوسمة العزة. 
نعم الرياضة تمكنت من تغيير السائد من المفاهيم، واستطاعت أن تقدم نموذجاً لوحدة الضمير العربي من دون التشدق بالألوان الزاهية بأفكار عفا عليها الزمن، الرياضة وحدها رسمت خريطة طريق لأمة باستطاعتها أن يكون لها موقع في الإعراب في الجملة الاسمية إذا ما خطت خطوات مدروسة ومن غير سفسطة، ولا قراءة كف، ولا فنجان، فقط عندما يجد الإنسان العربي ما يضيف إلى تاريخه ما يفيد، وما يرسخ جذور المعاني الجزيلة، فإنه سرعان ما يتعاطف، ويتضامن، ويصبح جزءاً من النسيج، وحالة حقيقية تعبر عن كيانه كإنسان جزء من هذا الوجود الكوني الذي تمثله الخمس قارات. الرياضة نجحت لأنها لم تهرطق، ولم تدق طبول الرقص على قيثارة العزلة والمهرجانات القميئة، الرياضة نجحت لأنها جاءت بضمير الفاعل، وليس الغائب عن الوعي، فكانت رؤوس المغاربة هي تيجان تتحرك في المستطيل الأخضر، فترغب الأحمر، وتزدهر في تحولاتها، ومحاوراتها، ومداولاتها للمستديرة المدهشة، وجداولها، الواعي مع الآخر ومن دون عصبيات هوجاء، ولا عنصريات رعناء، لا شوفينيات عبثية خاوية، فضفاضة وبلا معنى. 
إخوتنا المغاربة هزوا شباك الصنمية، ولم يعترفوا بالفقاعات التاريخية، بل كتبوا تاريخ الكرة العربية هناك على أرض الدوحة، التي احتضنت العالم وهيأت لضيوفها كل متطلبات الترف، والرفاهية. حقيقةً، شعرت وأنا أتابع تلك الأقدام الأشبه بالأقلام تنقش على صفحات التاريخ لغة رياضية عربية جديدة لم نشهد لها مثيلاً، وأصدقكم القول إنني ما كنت أصدق نفسي وأنا أشاهد هذا العزف العربي المغربي، على جيتار الملعب الرياضي، ما كنت واثقاً من النتيجة الحاسمة لأن هزائمنا الرياضية مسحت الآمال من قدم الزمان، ولكن منتخبنا المغربي دحض هذه الأوهام وكسر أرقام التشاؤم، وندخل أبواب المجد من أوسع حدقاتها. استطاع أن يبكي رونالدو، ويجعله طفلاً صغيراً خسر لعبته، فعاد إلى ذويه يطلب تعويذة الصبر. 
في ليلة الأحد توحد الوجدان العربي، وكأن الخليج العربي فتح قناة مائية باتجاه الأطلسي، ليصبح المحيط بحراً، والخليج محيطاً وكلنا في الطموحات نهراً بالغ العذوبة، طالما نجحنا في تأليف حكاية جديدة لا يعكرها فيلسوف، ولا يعرقلها مسف، هي الرياضة العون لازدهار المشاعر، إذا تم تأسيسها على الشكل الطيب، وبثقافة الفوز، ومن دون عقد نقص كأداء تعيق الوصول إلى الأهداف السامية. في ليلة الأحد نامت الرؤوس من دون هواجس الضعف النفسي، ومن دون أحلام مبتورة الأطراف، الإخوة العرب المغاربة، قلبوا الطاولة على أوهامنا، وجلبوا لنا الحقيقة وقالوا بصوت واحد، العرب قادرون على مجاراة الآخر، والتفوق عليه إذا امتلك الإرادة، وثقافة اللاعقد، واللاخوف من الالتحام مع المناسبات المصيرية.