اليوم وبعد جد، وتجدد، ولا استجداء، تبدو اللغة العربية تعيش مجدها، ووجودها، ووجدها وتحقق مساراً من دون كسر، ولا تعرجات في جبينها، ووجنتها، اليوم بفضل المخلصين نرى لغتنا تتخطى حواجز الخطر، وتمضي على صهوة الموجة كأنها النورس في ريعانه المهيب.
اليوم وفي ظل الوعي المتداعي كأعضاء الجسد الواحد في تضامنه، وفي شوقه إلى عافية المثل العليا في العطاء، وتقديم ما هو حقيقة، من أجل واقع وطني ينمي الانتماء في القلوب، لتزهر الأرواح بمادة الترياق السحري.
اليوم لغتنا تحصد ثمار جهود مخلصة وصادقة من مؤسستين وطنيتين، تقود جياد وجودها قيادات شابة، واعية لأهمية أن تكون اللغة هي مفصل الهوية وفاصلتها وجملتها الاسمية التي لا تقبل الكسر في إعرابها، ولا تنفي كونها لغة تؤسس للسان عربي أصيل، ونبيل.
اليوم وفي العقد ما بعد الخمسين من النهضة المباركة، نجد أنفسنا في تمام وكمال الطموحات، وفي الذروة القصوى لأحلامنا الزاهية، ترعى في حقولها لغتنا، وأم حروفنا، وضليعة فساحتنا، وبليغة نبوغنا.
اليوم يأتي أبناء هذا الوطن ليقبضوا على جمرة الولاء للغة هي الفصل الأول من كتاب هويتنا، وهي الصفحة الأولى من حكاية هويتنا، وهي الكلمة الأولى من تاريخ إنسانيتنا، الشفافة، والتي دخلت معجم الوجود البشري من قاموس محيط بذخنا اللغوي، وثرائنا الثقافي.
اليوم ومؤتمر قمة اللغة العربية يضع اللمسات لمسيرة حية، نابضة بإدراك ما لهذه اللغة من إكسير سحري ينمي في الوجدان كريات دم لا تخثر فيها ولا أنيميا، إنها كريات دم لغة وصلت إلى أصقاع العلم بقوتها، ونباهة حروفها، وبلاغة معناها، ونبوغ حروفها، وفي سردها، وفنها، وإبداعها الذي أدهش، وأبهر، وأعطى المثال في صرف القواعد، ونضوج المتناغمين مع السيرة، والصورة ومع المتكلمين بشفة لا لثغة فيها ولا غمغمة، ولا غمامة، هي لغتان هي صوتنا، وصيتنا، هي الحلم المتفجر وعياً في ضمائرنا.
شكراً لوزارة الثقافة، شكراً لمركز اللغة العربية، شكراً لهؤلاء الشباب الذين يعتنون بفصاحة لساننا، وبلاغة لغتنا، ونبوغ ذاكرتنا، والحفاظ على شجرة الخلد في قاموسنا، ورعاية نسيجنا اللغوي، كونه شحمة الأذن في أنصاتها للكلمة البليغة وإلى رمش عيوننا كونها الأقلام التي تنحت حروفنا، شكراً لكل عشاق هذه الأنثى المبجلة هذه الريانة المجللة بوشاح رونقها، ولثام أناقتها، وطوق لباقتها.
شكراً لهم لأنهم يسعدوننا عندما يفتحون نوافذ الفرح، ويغدقوننا بجهود تملأ الخواطر الثلج والماء البرد.
اليوم نرى أنه من الضروري أن ننتقل من المؤتمرات، والندوات، إلى تكاتف جميع الجهات المعنية وأهمها، وزارة التربية كونها بيت الطالب، وموئله الحقيقي، وكذلك ممثلون عن الأسر ليكون الجهد متكاملاً، وافياً، يصب في مصلحة الفلذات، والذين صبت على رؤوسهم مياه ضحلة لمدد طويلة، واليوم حان الوقت لنزيل تلك الضحالة ونجعل من لغتنا الماء الزلال الذي تكشفه الشفاه الدقيقة، وليصبح المسار كما هي خيوط الحرير ترتب قماشة قميص حضارتنا التي عمقت جذورها في المكان، والزمان ، والله يوفق الجميع.