بعض المدن تصل إليها ظهراً مثل هافانا، والتي يطلق عليها في الإسبانية «La Habana»، تلك المدينة القديمة التي تأسست في عام 1515م، من قبل الإسبان، وأصبحت «المفتاح للعالم الجديد»، ومركزاً اقتصادياً وميناء يعج بالبضائع المستوردة والصادرة، لذا ظلت عرضة لهجمات مختلفة عبر تاريخها من الإنجليز والفرنسيين والهولنديين والقراصنة، فحصنت بالأسوار والقلاع وتمركزت المدافع عند مداخلها، فتشعرك كقادم جديد أنها دوماً حذرة من الغرباء، الظهر هو الوقت المناسب لمباغتة أي مدينة، لأنك تكون نشطاً ومتوثباً، وتريد الانقضاض على المدينة وأشيائها بعد استراحة في أحد مقاهيها ومشاربها، وتجربة غداء بسيط من سلطة أو بيتزا، ثم تجوس فيها متوحداً بجماليات فيها سابحة أو غافية أو غارقة في قِدمها منذ زمنها البعيد.
عاشت كوبا حرب السنوات السبع، واحتلتها بريطانيا في عام 1762م، ثم تنازلت عنها لإسبانيا مقابل إعطائها ولاية فلوريدا، وفي القرن العشرين غزتها أميركا واحتلتها، وتحولت هافانا لمقصد للسياح والمقامرين والمغامرين والفنانين والكتّاب ورجال العصابات وازدهرت الثقافة وطغى الفن فيها من مختلف الإثنيات والتعدديات الثقافية، ثم جاءت ثورة 1959 بقيادة الرفيق فيديل وراؤول كاسترو وتشي غيفارا ورفاق السلاح من الشيوعيين، وتغيرت كوبا معهم ومع النظام الاشتراكي الجديد.
في هافانا اليوم يمكن أن تلاحظ القديم الغالب، والجديد المتواري في كل شيء، ثم حداثة متخفية، لكن كل ما هو قديم فهو متأصل ومتجذر، ويحمل عطاءً ثقافياً وإرثاً حضارياً، بدءاً من كنائسها وكاتدرائياتها القديمة، والطراز المعماري الإسباني ومسارحها وفنادقها التي ضمت بين ردهاتها ملوكاً ورؤساء وفنانين وكتّاباً، ولعل الروائي والكاتب الأميركي «ارنست همنجواي» أكثر هؤلاء تعلقاً بهافانا، و«غابرييل غارثيا ماركيز»، وصداقته العميقة مع كوبا وقادتها الثوريين، وخاصة كاسترو، اليوم ما زال مشرب ومطعم «لا فلوريدتا» موجوداً، الذي بلغ عمره ما يزيد على مئتي عام ويزيد بسنوات خمس، والذي كان المفضل عند «همنغواي» وجلساته فيه خلال إقامته في تلك الجزيرة لسنوات تجاوزت الثلاثين، وما زال ذلك المشرب مخلصاً في تقديم مشروب «همنغواي» المفضل، والكثير من الكوكتيلات من «الموخيتو الكوبي»، وهناك تمثال له يحتل زاويته التي كان يجلس فيها بالقرب من منضدة «البار»، وصور له مع الكثيرين من مرتادي ذلك المكان الذي يصعب أن تجد لك فيه كرسياً بعد العصر حتى منتصف الليل، وهو يعج بالسياح وعشاق الليل ومحبي الموسيقى والصخب الرومانسي.
في هافانا وخاصة هافانا القديمة أو «هابانا بييخا»، الكثير من المعالم السياحية من مسارح ودور سينما ومتاحف وفندق ناسيونال، كذلك هناك الكثير من الشوارع القديمة الحيّة، وهناك مصنع السيكار الكوهيبي بكل أسراره وطقوسه، وهناك مقبرة «كريستوفر كولومبوس»، والتي فيها 3 ملايين مدفن، في حين مدينة هافانا يسكنها اليوم مليونان ونصف مليون نسمة فقط، هذه المقبرة العظيمة بناها الإسبان عام 1886م، واستغرقت عشر سنوات، ولا نعرف اليوم من يحرس مَن، الأموات الكثر أم الأحياء الأقل.
- نسبة البيض في كوبا تزيد على 65%، ونسبة السود فقط 10% من السكان، مساحتها 110 آلاف كم مربع، وعدد سكانها حوالي 13 مليون نسمة.
- في كوبا هناك فندق مجاني، لكل المتعبين في الأرض، يستقبلك بما توفر، ويقدم لك ما توفر، المهم أنه لا يجعلك بلا سقف أو تنام على الطَّوى أو تسعل بلا معالج أو دواء، ولا يتوانى أن يقدم لك الترفيه في حالة تعبك الروحي، كوبا مسألة أخرى، وغداً نكمل..