- بقدر ما هي مدهشة هذه الجزيرة الكاريبية، تعجز عن تتبع تفاصيلها الصغيرة والجميلة، كوبا بنظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي المختلف لا تعد من «جمهوريات الموز»، كما يعتقد البعض، هذا المصطلح السياسي الذي جاءنا من الأدب بوساطة الكاتب الأميركي «اوليفر هنري» عام 1904 م حينما نشر مجموعته القصصية «الملفوف والملوك» والتي تحدث فيها عن سيطرة الشركات الرأسمالية على اقتصاد ومقدرات جمهورية فيها الفساد السياسي، والديكتاتورية المطلقة والمرتهنة بجهات خارجية، وسوء إدارة اقتصادية، ويقصد به السخرية من هذه الدول التي تسمى جمهوريات أميركا الوسطى، مثل، هندوراس، نيكارجوا، كوستاريكا، السلفادور، بنما، جواتيمالا، وبليز.
- مما تخشى منه كوبا وأصدقاؤها القدامى المخلصون لمبادئ الثورة أن تتغير، وينهد النظام الاجتماعي المتساوي، وتهجم الرأسمالية الجشعة على الفئات السكانية البسيطة، وتدخل كوبا في نظام دول أميركا اللاتينية واضطراباتها وعدم استقرارها، وقد بدأ وبدا ذلك ظاهراً في التعامل مع العملة الوطنية، والاستخفاف بها وبقيمتها، وهذا بداية معاول الهدم، زمان.. كانت العملة الأجنبية في كوبا وذكرها يعد تهمة، والتعامل بها خيانة عظمى، والحكم على الأفراد بالتخابر مع جهات أجنبية واستخباراتية، اليوم الكل يرحب بها، وقليل من يتعامل بعملته المحلية «البيزوس»، وقد أضحكتني نادلة في مطعم راقٍ، حين طلبنا منها شطة الفلفل الحار «تباسكو»، تجهمت في البداية، ثم ضحكت في النهاية، وأخرجته من شنطتها الخاصة، وقالت: «هذا ليس موجوداً في السوق، هذا مهرب، وثمنه بالعملة الصعبة»! ورشّت على تلك البيتزا قطرات متفرقة، ربما كل قطرة بـ «سنت»، لكن الفكرة أعجبتني، وذكرتني ببدايات انهيار الاتحاد السوفييتي، وكيف كانت الطوابير الطويلة جداً على مطعم «ماكدونالد» والتي كانت تفوق الطوابير على ضريح «لينين»، والبعض يأتي من الفجر ليبيع دوره للآخرين مقابل وجبة أميركية إمبريالية!
- من بين الأشياء التي تصادفك في شوارع هافانا، وتخلق لديك أسئلة ليست بالنسبة لك، ولكنك تشفق على السياح الآخرين من الأجيال الجديدة، مبنى سفارة الاتحاد السوفييتي التي تشبه هرماً حديثاً، لا توحي لك إلا بالقسوة والبطش الـ «ستاليني»، وبجبروت روسيا العظمى، مبنى لا يعرف الشفقة، ويرمز للتحدي الدائم، وهناك تمثال للزعيم «ياسر عرفات» في هافانا، بغترته «النضالية» وابتسامة النصر التي غابت معه، وتمثال لحذاء معدني ضخم، ومطرقة ضخمة، ربما تشير للعمال والكادحين، وتمثال لوجه نسائي معدني يمثل عنفوان الحياة.
- ترجع تسمية كوبا إلى لغة السكان الأصليين الـ «تاينو» وتعني الأراضي الواسعة وفيرة الماء «كوباو»، والبعض يرجعها إلى «كوابانا» وتعني المكان العظيم، والبعض يقول إن «كريستوفر كولومبوس» أطلقها على الجزيرة نسبة إلى قرية صغيرة وقديمة في البرتغال. سكانها الأصليون من قبائل الـ «تاينو» الذين امتهنوا الزراعة وقبائل الـ «سيبوني» الذين امتهنوا الصيد، استعمرتها إسبانيا 400 سنة، والإنجليز جلبوا لها العبيد من أفريقيا.
- أعياد كوبا كلها، إما «عيد العمال» أو «عيد الحرية» أو «عيد الهجوم على ثكنة مونكادا» أو «عيد الثورة» أو «عيد ميلاد المناضل»، أما عيد الميلاد فقد ألغته كوبا منذ عام 1969، ولم يعد إلا بعد زيارة البابا يوحنا بولس الثاني لهافانا، وحينها تم صنع تمثال للمسيح ضخم، ربما الثاني بعد مسيح مدينة «ريو دي جانيرو» البرازيلية، ويعرف بتمثال «مسيح هافانا»، وهو بالقرب من منزل الثائر الأممي «تشي غيفارا».
- من الأشياء الجميلة والمميزة في كوبا السيارات الكلاسيكية القديمة «يانك تانك» التي تجوب شوارع هافانا، والتي تعد قيمة لملاكها التي يؤجرونها بأسعار غالية للسياح، وهي تعمل منذ الأربعينيات وبأفضل من السيارات الجديدة التي لا تراها في كوبا.
- الأكلات في كوبا أشبه بالأكلات الإسبانية مع خصوصية البحر الكاريبي لعل أشهرها اللحم البقري المفروم «روبا فييخا» مع الرز والموز والبهارات، أما الموسيقى الكوبية، فهي ذلك التنوع العميق والاختلاط العجيب، وهي الأشهر في العالم اليوم، ومنها جاءت «الرومبا» و«المامبو» و«الصالصا» و«تشا تشا تشا» وهي موسيقى اختلطت فيها ثقافات مختلفة منها الأفرو كوبية، والإسبانية، والغجرية والأندلسية.