ما كنت قاطعاً ولا جازماً يوماً في أحكامي، بخاصة إن تعلق الأمر بكرة القدم التي ما عرفت ولا عرف غيري لها منطقاً علمياً، لذلك حرصت أكثر ما يكون الحرص على أن أبقي خط الرجعة، فما يكون فشلاً ذريعاً هنا، قد يصبح بجرة قلم وبتغير سياقات وظروف نجاحاً لا يصدق، وآخر من يصدق عليهم هذا التغير الفجائي هو المنتخب المغربي.
بداية سنة 2022، كانت موعداً كروياً لقارة أفريقيا مع كأسها الأممية، موعد أخلفه أسود الأطلس أياً كانت الإكراهات والمسببات، فقد انتظر الكثيرون أن يغير الأسود من حالهم البئيس في محفلهم الكروي القاري هناك بالكاميرون، ويحققوا الانتفاضة المنتظرة، إلا أنهم واصلوا اجترار الخيبات، فبعد دور مجموعات مميز، خرجوا من الدور ربع النهائي أمام منتخب مصر، وقامت الدنيا ولم تقعد احتجاجاً واستنكاراً ونقداً مبرحاً، فمن رأى أن منتخب المغرب يتفنن كثيراً، ليس في تصديق الترشيحات ولكن في تعذيب نفسه وتعذيب الجماهير، ومن رأى حتى بعد أن حجز المغرب له مقعداً في كأس العالم بقطر، لتكون السادسة له، أن الأسود سيسيئون للسمعة وللتاريخ في مونديال هو أقوى وأشرس.
ولم يتغير رأيي وسط كل هذا الحطام، بأن منتخب المغرب يلعب ضد طبيعته وأبداً لا يتطابق جماعياً مع فردياته الرائعة، وأن الانفصال عن البوسني وحيد خليلوزيتش، سيجلي الكثير من الغيوم عن سماء الأسود وسيرتفع بهم فوق الخرائب التكتيكية التي تعطل الملكات.
لم أكن قطعاً، أتوقع وقد وقع الانفصال عن وحيد وجيء بوليد السعيد، قبل 100 يوم فقط من انطلاق الحدث الكروي الكوني بقطر، أن يحقق المنتخب المغربي هذا الذي حققه في صورة الإعجاز، وهو يبلغ نصف نهائي كأس العالم كأول منتخب عربي وأفريقي يفعلها، إلا أنني سرت عكس الكثيرين، بالقول إن المنتخب المغربي متى احترم ضوابط الجماعية بالإتقان والاتزان والانضباط، ومتى كانت جاهزيته الذهنية قبل البدنية في مستويات عالية، متى نجح في قلب الموازين داخل مجموعته الحديدية.
لم يأت المدرب وليد الركراكي للإشراف على منتخب المغرب حاملاً عصا سحرية، لكي يحدث هذا الانقلاب الكبير في السلوك وفي منظومة اللعب، بل إنه ببساطة شديدة عرف أين يكون الداء فجاء بالدواء، والدواء لم يكن غير صفاء يسود قلوب الأسود وإرادة تفك القيود ومنظومة لعب تألق بها المغاربة بلا حدود.
كثيرة هي الدروس التي تمنحنا إياها كأس العالم، لكن الدرس المغربي والعربي كانت له قوته وبلاغته في مونديال قطر، الدرس الذي يقول إن النجاح هو رحلة لإعادة اكتشاف الذات، رحلة قد تطول وقد تقصر بحسب الرغبة الجماعية في القبض على كنه النجاح والاستفادة من الإخفاق.