ساقتني الظروف للتعامل مع جهة «إبداعية» لإنجاز معاملة، توجهت لمركز المتعاملين فيها والواقع في الضواحي، حيث استقبلني أحد الشباب وتسلم المعاملة بعد إتمامها وأحالني لأمينة الصندوق الجالسة في الجانب المقابل له، وسددت الرسم المقرر قبل أن أغادر المكان سعيداً بإنجاز المعاملة. سعادة لم تدم طويلاً وسرعان ما تبخرت بعد استلامي اليوم التالي إشعاراً من قسم المحاسبة في تلك الجهة بضرورة سداد الرسم المقرر، فرددت على الأشعار الذي وردني عبر بريدي الإلكتروني بإرفاق صورة من إيصال السداد في اليوم السابق، مستغرباً حول كفاءة الربط الإلكتروني بين أقسام تلك الجهة.
كان ذلك قبل أكثر من شهر تقريباً، أمس الأول كانت دهشتي أكبر لدى ورود اشعار آخر من ذات القسم بأن سجلاتهم تشير لوجود مبلغ خمسة وتسعين فلساً -نعم 95 فلساً - معلقة يجب تسويتها وإلا سوف يتم فرض غرامات تأخير، اتسعت دائرة حيرتي في كيفية التعامل مع جهة تقدم نفسها كوجهة إبداعية تعاني مثل هذه الاختلالات التي تقلل ليس الاستفادة من التحول الرقمي والذكي بل وصورتها أمام جمهور المتعاملين معها، وهي تصر على مخاطبتهم باللغة الإنجليزية رغم أن المرسل والمتلقي والمتعامل جميعاً عرب أقحاح.
اتفق مع القسم المعني بوجوب سداد المستحقات مهما كان المبلغ ضئيلاً، فمن قطرات المطر يتكون النهر، ولكن من يتحمل أن تتعطل معاملة بسبب هكذا مبلغ وجراء خطأ موظفة لم تؤد واجبها منذ البداية بالصورة المطلوبة.
لقد وجدت المنصات والتطبيقات الذكية لإسعاد المتعاملين والتسهيل عليهم لا أن يتعطلوا شهراً، بانتظار أن تستكمل المعاملة التي توقفت عند مرحلة من مراحل إنجازها، لأن هناك تسوية لم تتم بالصورة المطلوبة.
استثمرت الدوائر والمؤسسات في الدولة كثيراً في مبادرات التحول الرقمي ليس فقط باعتبارها المستقبل فيما يتعلق بالأداء والتعامل، وإنما لكونها واحدة من صور تعزيز تنافسية الدولة واجتذاب الاسثمارات لترسيخ مكانتها كوجهة للأعمال والإقامة، خاصة وأن للوقت قيمة لا يدركها أولئك الذين يتفنون في التسويف والتعطيل غير مستوعبين طبيعة العصر الذي نعيش والتحولات الكبيرة التي يشهدها العالم من حولنا، فالمسألة ليس 95 فلساً هنا أو هناك، وإنما في الوقت المهدر في المراسلات المتبادلة وفق نظام «إيملنا وإيميلكم»، الذي ظهر على أنقاض حقبة «كتابنا وكتابكم»، وصورة الإنجاز والأداء الذي يفترض أن يسود في عالم التحول الرقمي والتطبيقات الذكية وتوجهات إسعاد المتعاملين لا خدمتهم وحسب.