جاءت مسلسلات رمضان مثل الضباب في شارع مزدحم بأبواق السيارات القديمة، لا توجد فرامل، ولا قدرات لسائقين مهرة، لإيقاف هذا التصادم المريع. وأنت تتسمر أمام الشاشات الملونة، وتحرك الريموت كونترول، من قناة إلى أخرى، تشعر وكأنك تعوم في بحر هائج، والمراكب فيه تتقلب بين الأمواج بلا هدي.
أغلب المسلسلات، تتحدث عن قضايا عفى عليها الزمن، والممثلون هم أنفسهم، يتكررون في أغلب المسلسلات، مثل الرسوم المتحركة، فلا قضية، ولا موضوع، ولا مشهد يشد المشاهد كي يتابع، وكل ما يحدث هو مهرجان كرنفالي فاشل في توجيه المتابع نحو لقطة أو ثيمة مفيدة، وما يحدث هو عبث فني، وسريالية بائسة في ملء الشاشات، بوجوه امتلأت بالأصباغ، ومساحيق التجميل، فمن شاهدته من الممثلين والممثلات في العام الفائت نسيت وجهه الحقيقي، ولا ترى غير ملامح تغيب تحت كومة من الألوان، أما فكرة المسلسل، فهي لا تعدو أكثر من حكاية ليلية، حتى التسلية، أو المتعة تغيب عنها، لأن المسلسل يدور حول أحداث الطلاق، والزواج الفاشل، والحب الغائم، وخيانات زوجية بالجملة، وكأن المجتمع الخليجي موسوم بهذه العلاقات الإنسانية، بينما الحقيقة تقول غير ذلك، والإنسان في هذه المنطقة تجاوز بمراحل تلك الأفكار التي تطرح وكأنها لأول مرة تشهدها الشاشة الخليجية.
كل ذلك يحدث أولاً لغياب الوعي بأهمية دور الفن، وهذا ما استدعى الاهتمام بالربح، قبل الرسالة المنوطة بمن يحسب على الفن. ولأن رمضان أصبح اليوم شهراً تتكدس فيه المسلسلات مثل الأسماك الفاسدة في سوق السمك، فإن العمل الفني وجودته أصبحا في غياهب النسيان بالنسبة للمنتجين والمخرجين والممثلين، لأن مبدأ (التجارة شطارة) هو الرائج، وهو المهيمن على ذهنية صناع هذا الفن، الأمر الذي أوصل الفن إلى مراحل ما بعد الوشاية ضد الضمير؛ فقد شاهدنا ممثلين كباراً، ولهم تجارب عميقة في الفن، وقد سقطوا في هوة هذا الزحام، وأصبحوا يقومون بأدوار لا تليق بتاريخهم الفني، ولا بذائقة المشاهد، ولا بالزمن الذي نحن فيه، حيث الوعي الجماهيري تجاوز هذه الأعمال، وصارت بالنسبة له شيئاً من الماضي. 
اليوم المشاهد انفتح على العالم، وأصبح يتقن لغات العالم الآخر، ويتابع أعمالاً فنية عالمية، وعندما يقوم بالمقارنة يصدم، ويشعر بالضجر والملل مما يطرح أمامه من أعمال تصرف على إعدادها مبالغ طائلة، ويتمنى لو تصرف هذه الأموال في جوانب أخرى أكثر فائدة، لأن الفن أصبح في خبر كان، بعدما تخلى أصحابه عن دورهم الريادي في خدمة المجتمع، وتنمية الذائقة الفنية لدى الجمهور، وإمتاعه، وإسعاده.
 لا أعتقد أن منتجي هذه الأعمال يقومون بدراسة النصوص بما يكفي، وهم منشغلون بالكم، أكثر من الكيف، ومسألة الجودة هي آخر ما يفكرون فيه، ولهذا نرى أن الأعمال تقدم للمشاهد مثل سلق البيض عند السحور، حتى لا يدرك الصائمون وقت أذان الفجر.