لدى أختي سمية بالخير صديقة قديمة قِدَم التاريخ اسمها فوزية، ومنذ أن ذكرت ذلك الاسم صرت أبحث عن معناه في لسان العرب فوجدته يعلله بالفوز النجاء والظفر بالأمنية والخير. ويضيف لسان العرب قائلاً: «الْمَفَازُ وَالْمَفَازَةُ: الْبَرِّيَّةُ الْقَفْرُ، وَتَجْمَعُ الْمَفَاوِزَ. وَيُقَالُ: فَاوَزْتُ بَيْنَ الْقَوْمِ وَفَارَضْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَالْمَفَازَةُ: الْمَهْلَكَةُ عَلَى التَّطَيُّرِ، وَكُلُّ قَعْرٍ مَفَازَةٌ، وَقِيلَ: الْمَفَازَةُ وَالْفَلَاةُ إِذَا كانَ بَيْنَ الْمَاءَيْنِ رِبْعٌ مِنْ وِرْدِ الْإِبِلِ وَغِبٌّ مِنْ سَائِرِ الْمَاشِيَةِ، وَقِيلَ: هِيَ مِنَ الْأَرَضِينَ مَا بَيْنَ الرِّبْعِ مِنْ وِرْدِ الْإِبِلِ وَالْغِبِّ مِنْ وِرْدِ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْمَاشِيَةِ، وَهِيَ الْفَيْفَاةُ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَبُو زَيْدٍ الْفَيْفَ. ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: سُمِّيَتِ الصَّحْرَاءُ مَفَازَةً لِأَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْهَا وَقَطَعَهَا فَازَ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الْمَفَازَةُ الَّتِي لَا مَاءَ فِيهَا وَإِذَا كانَتْ لَيْلَتَيْنِ لَا مَاءَ فِيهَا فَهِيَ مَفَازَةٌ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كذلك، وَأَمَّا اللَّيْلَةُ وَالْيَوْمُ فَلَا يَعُدُّ مَفَازَةً».
وكان لفوزية مِن ما وصفه ابن منظور نصيب، فهي من الشخصيات اللطيفة، التي تُسعد كل من يلتقيها، أحببتها بصمتٍ، لأن نجيرة الأخوات ليس لها توقيت محدد. لذا لم أُظهر تلك المودة وتركتها في الهامش، علني أحتاج أن أغيظ أختي فأقول شيئاً غير لائق عن فوزية دفاعاً عن أصدقائي الذين قد تذمهم يوماً. كان كل منا يحافظ على صديقاته بطريقته المفضلة فيتغاضى عن الأخطاء ويركز على الضحكات والذكريات. فوزية كانت صديقة العائلة التي يعرفها كل فردٍ، ومن الممكن أن يأكل ويشرب ويسافر ويغني معها من دون تكلف أو مبالغة.
عندما تتصل فوزية تقول أمي: «هاه.. يتكم الحين راعية كيفك يا حياتي»، لقد كانت جميع الناس لدى فوزية حياتي حتى أدركها المرض، وعندما حدثتها في آخر دخولٍ لها إلى المستشفى سألتني: «كيفك يا روحي»، هنا أدركت أن هذا التغيير المفاجئ ستتبعه مفاجأة أكبر، فالروح والقلب والحياة يعبرون عن المحك الحقيقي للمحبة، وكذلك تهالك الحبال التي تربط الإنسان بالأرض. وفي نفس المكالمة قالت لي: «أرى الوداع قريب.. هالله هالله في العيال من بعدي»، في تلك اللحظة رميت عليها «سباحة» (طوق النجاة) وصبرتها بكلماتٍ بها من الإيمان ما يشبط الإنسان باليقين والنصيب والقضاء والقدر. افترقنا وبعد أيامٍ من خروجها من المستشفى أرسلت لي رسالة صوتية تقول لي فيها: «الحمد لله أني بخير وعافية وسوف نحتفل في الجنة.. يا عائشة أنت الأخت الغالية التي أحبها في الله»، يوم الجمعة وبعد صلاة الفجر تسللت روح فوزية إلى خالقها وخفق قلبي عندما وصلني ذلك النبأ. فقلت: «الحمد لله الذي له ما أعطى وله ما أخذ.. اللهم لا اعتراض على حكمك وقدرك».
للعارفين أقول، تحقق حلم فوزية فأصبحت رحلتها الأخيرة من هذا الكون من هنا، ويضم جسدها تراب الإمارات العربية المتحدة، وطالما تمنت ذلك من رب العالمين. الحمد لله على نعمة هذا الوطن الذي يعشقه القاصي والداني كما نعشقه من دون قياس أو حدود.