أتحفنا مهرجان البدر الذي احتضنته إمارة الفجيرة لأسبوع ازدحمت فيه الإبداعات، وتسابق فيه التميز حتى بلغ ذروته، فهناك جلسات للتحاور وورش عمل وصور ومخطوطات عبرت عن مفاهيم جديدة ومبتكرة لاستسقاء الفنون الإسلامية والخط العربي، الذي نال نصيبه من فنانين دوليين. وفي حفل الافتتاح، قدمت مدارس الفجيرة عرضاً استثنائياً بأوبريت عنوانه «نور الهدى»، الذي شارك في تقديمه مئة طالب وطالبة تناسقت تعابيرهم وعبرت أيديهم الصغيرة، وهي تعلو في السماء، عن إيمانٍ ترسخ وهوية وطنية مستدامة تعانق الدين الحنيف وتعاليم رسولنا الكريم وسنع أهلنا. 
كان العرض أكثر من رائع، بل كان الروعة وما فوقها، فقد تناول «الأوبريت» مراحل السيرة النبوية الشريفة، وقصة ميلاد الرسول عليه الصلاة والسلام، ونشأته والحجر الأسود والدعوة إلى الإسلام والهجرة إلى المدينة المنورة. قدم الطلبة لوحات عرض تعبيرية وأشعار مُغنّاة، والأهم من ذلك كله أن اللغة العربية كان لها محور رئيس، فقد تخللت «الأوبريت» حوارات ونقلات ربطت المشاهد، وكلها بلغة الضاد ومخارج حروفها وتنوينها ولفظها السليم.
كل المواهب موجودة، لا سيما ما تحمله العقول الصغيرة، نحن محاطون بها وهي حولنا أينما سرنا، وهي يا سادتي يا كرام ليست دفينة ولا يتطلب اكتشافها جهداً أو عبئاً يُذكر، بل هي مواهبُ بحاجة إلى التفاتة واهتمام وصقل لا أكثر. أقترح أن ينال المشاركون في هذا «الأوبريت» حظهم في الأعمال الفنية مستقبلاً، ويتكون منهم فريق أو مجموعة تساهم في أعمال عالمية مشتركة، ومن مخرجات ذلك توطين الإبداع المسرحي والفني وتطبيق فكرة الاقتصاد القائم على المعرفة. 
هو عملٌ مُبهر ولا تستطيع كبرى الشركات الإتيان بمثله أو تأكيد نجاحه. لقد تلألأت نجوم أوبريت «نور الهدى» الذين أخذونا في رحلة طافت بنا الجبال والوديان، وشعرنا بالعطش والظلم والخوف والفرح والإيمان والشجاعة، كل ذلك في نقلاتٍ تحركت من المؤثرات والموسيقى والحركات، فعشنا الطفولة والشباب، وبقينا شباباً.
للعارفين أقول، لقد عبر المهرجان عن أمورٍ كثيرة، زاد لمعان جوهرها في أعماقنا، فهي سارت إلى أغوارٍ سحيقة حيث يستقر الإيمان في قلوبنا، وسرحت بوجداننا طويلاً وبعيداً. في عام الاستدامة، يعبر هذا المهرجان عن استدامة للإرث الحضاري الإسلامي وإبداعات الطلبة وتميز الفنانين واستمرارية فنون الأداء الإماراتية مثل «المالد»، في التعبير وزرع وجني ثمار الجمال الإنساني بأنواعه. شكراً الفجيرة، إمارة مطلع الشمس وبزوغ البدر على هذا المهرجان المبهج البديع الذي به تحلو الحياة ويستدام الموروث.