في حوارٍ جمعني بالباحث المميز جمعة بن ثالث حول «ذاكرة دبي القديمة وأهمية توثيق الموروث»، وكعادته نبش بوسيف تلك الذاكرة فلم يترك مجالاً لم تصله خيوط الحداق، وكنت كسمكة الجدْ ألتهم «الييمة» فيصيدني وأحياناً أحايلها فآكلها خلسةً، ومراراً أغوص عميقاً ليعرف الحضور مدى عمق الثقافة التي نحن منها.
 كانت أمسية مليئة بالمحبين، وقد حرص أكبر عدد من أهلي وشيخة عبيد وبناتها والدكتورة عفراء وبنات كلية دبي التقنية أن يكونوا ضمن الموجودين، وكم أسعدني ذلك الحضور! اكتشفت فيهم حباً لا يستطيع بعضهم التعبير عنه، ومساحاتٍ من الإعجاب الصامت، وجمالاً لا يشبهه شيء في الدنيا العودة. ومن بين الحضور وجدت كُتاباً وملهمين، فهناك يجلس بهدوء السيد محمد بن ثاني والمبدعان عبيد بوملحة وريم الكمالي وغيرهم من المخلصين، خجلت من نفسي كيف تكون بيني وبينهم طاولة يفهمها البعض على أنها جدار يعني القوة والسلطة والنخبة، ونحن جميعاً لا نختلف في أي شيء.
انتهى الحديث وبدأت فترة الأسئلة وانتقلنا منها إلى التقاط الصور الفردية والجماعية، وصناعة ذكريات جديدة مع الحضور، أول تصوير كان فيديو قصيراً مع الأخ محمد بن ثاني عن سر الشندغة شرحت فيه نظرية «البيت المتوحد»، وكيف وثق وصور الكابتن طيار محمد بالخير تفاصيل الشندغة وأزقتها في فترةٍ ما. بعد الصور شربنا القهوة وأكلنا الكيك وروحنا إلى بيوتنا فكادت الساعة تكون عند منتصف الليل.
في اليوم التالي ذهبت إلى العمل عند الساعة السادسة والنصف، وبعد تبادل التهاني بيوم الجمعة المبارك قال لي بو عبدالله: «دكتورة، شفت الفيديو مالك اللي منزلنه بو أحمد وأود أن أقول لك بأني أعمل معك منذ سنواتٍ طويلة، ولكني لم أتصورك بهذا الشكل؟ لقد أبهرني ما قرأته من مقالاتك وتنوع في طرحك للأمور»، شكرته بكل حياءٍ وخجل، لا غرور ولا كبرياء؛ فأنا من الفقراء والعلم لله وحده. بعد نهاية الدوام اختليت مع هاتفي الذكي فوجدت في التعليقات على الفيديو سيلاً جارفاً من ذكريات الشندغة ومزيداً من التقدير والمحبة، لم أتوقع أن تجرفني كلمات المحبين في موجة من البكاء ودموع الغبطة والسعادة لهذا التقدير وتعبيرهم الراقي، وما كتبوه من كلمات هي الذوق وهم أهله وناسه. الذاكرة في الفكر والعقل والذكريات في القلب والوجدان، وقد جمعت تعليقات المحبين الكرام بينهما بكل شفافية وبلاغة.
للعارفين أقول: إن محبة الناس وتقديرهم نعمة لا أستهين بها، وأحمد الله العلي القدير عليها، وهي دليلٌ قاطع على كرم المحبين وقلوب الإماراتيين الذين عملت معهم وصدق نياتهم وإخلاصهم للصديق والزميل وإيمانهم بالله وحرصهم على طاعة أولي الأمر، وأن تبقى رايتنا سامية بالعلم والأخلاق. شكراً لكل كلمة جميلة وذكريات أجمل جمعتنا بكم على أرض الإمارات.. أحبكم من قلبي ولكم في كل صلاة دعاء.