في أحد المقاهي غالية السعر جلسنا للتو على طاولة طرفية تطل على البحر من صوب، وتلفزيون المقهى من صوبٍ آخر، أمامنا جلس بعض الشباب وكانوا في انتظار مباراة حاسمة بين فريقين أوروبيين. طلب أحد الشباب من النادل تغيير المحطة من الإخبارية إلى الرياضية. وفي طريق النادل لتنفيذ ما أُمر به سمعت في تقرير يُبَثُ حينها مقولة ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية: «ليس لدينا أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون، ولكن لدينا مصالح دائمة». سألتني تلك الصديقة «ما رأيك في مصطلح الأعدقاء؟»، فأجبتها هل تقصدين تلك الكلمة المركبة لتجمع حروفها ما بين (أعداء وأصدقاء)، ومرادفها في اللغة الإنجليزية (Frenemies) لأنها أيضاً تجمع (Friends & Enemies)؟ فقالت: «نعم» فقلت لها: «هناك ما يسمى الإرداف الخلفي أو التناقض الظاهري وهو في اللغة الإنجليزية Oxymoron.. لا يعي البعض عمق اللغة العربية فيدخلون لغة غير لغة أمهاتهم في عقول وأذهان النشء وتحدث الغربة الثقافية وفي الهوية والموروث»!
سرحت تفكر في حوارنا وبسرعة ردت: «هل ذلك أشبه بقولهم ‘نيران صديقة’» فأجبتها: «نعم، وهذه يا عزيزتي فلانة هناك من نتقاسم الرزق معهم ولا نعي إن كانت تلك النيران نيران الشوق والمحبة، أو عكس ذلك، يقول أبوالطيب المتنبي: ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى.. عدواً له ما من صداقته بدُّ»، وما ينقذ الموقف كون المرء متصالحاً مع نفسه، تربطه علاقة صحية مع من حوله، فيحترمهم ويصفي النية فيما يقولون ويقترحون ويقدمون من عمل، ويعمل بتفان نظراً للصورة الكبيرة والمخرجات والمكتسبات التي ترفع المكانة، وتُحدث التغيير وتحقق المستهدفات بعيداً عن النظرات والمعارك الشخصية والدفينة. يذكرني ذلك بما كانت والدتي، رحمها الله، تردده علينا دائماً: «حد احْشمِهْ، وحد احشم عمرك عنه»، والقصد من ذلك أن هناك شخصاً يستحق الاحترام فلابد من تقديمه له، وهناك من يجب علينا الترفع عن مخالطته احتراماً لأنفسنا.
قلت للرفيقة دعيني أسألك يا فلانة: «هل تعتبرين الطيبة غباء؟»، فقالت: «هناك مقولة حكيمة تؤكد أن الطيبة ليست غباء كما يظن البعض، ولكنها نعمة فقدها الأغبياء». هناك أشخاص توجههم أخلاقهم وروحهم التي تتمنى للآخرين الخير دائماً، فهم يتصرفون بطاقةٍ إيجابية جاذبة للمودة والشغف، وبناءً على قيم سامية تعكسها سلوكياتهم وتصرفاتهم الرزينة في المواقف الصعبة. هذه الفئة تعمل بصفاء نية وقلب خال من الشوائب والمصالح والأفكار السلبية ضد الآخرين، ولاسيما عندما يقف السلبيون في طريقهم بابتسامات تخجل منها دموع التماسيح!
للعارفين أقول: بعيداً عن البراغماتية والوجودية علينا التركيز على معادلة النجاح التي تحثنا على التفاني في العمل وحسن النية وصفاء القلب وصدق اللسان، لأننا في وطن نتعلم فيه من قادته العظام، ومن عطائه الجزيل الذي لا يعرف وقتاً أو مكاناً أو نهاية.