نعاود على ما كنا نتساءل عنه، وكتبنا عنه، وهو أن هناك منطقة رمادية بين قانونين، قديم وجديد لا نكتشفها إلا بعد الممارسة والتطبيق العملي، وأن هناك منطقة رمادية بين الانتقال الإداري من العمل اليدوي إلى العمل الإلكتروني، يعرفها الناس ويحسون بها حين تصطك معاملة أحدهم بين «سيستم» دائرة محلية ووزارة اتحادية أو حتى بين دائرتين في مكان واحد «الباب بالباب»، وأن هناك منطقة رمادية حين نستقبل شيئاً جديداً في حياتنا، ولم يكن موجوداً من قبل، ويترك الناس يتعاملون معه، ويتصارعون معه حتى يجدوا مناطق تقاطع بينهم وبين هذا الوافد الجديد على حياتهم، هذا الفراغ يمكن أن نسميه المنطقة الرمادية أو المنطقة المظلمة، والمتروكة بدون غطاء أو مرجعية، وهناك منطقة رمادية أخرى بين موظف عتيق عرفناه وألفناه، وبين موظف يتستر وراء «السيستم»، وأعطال الأجهزة وسرعة الشبكة، بحيث يرمي كل شيء على «السيستم» حتى أصبح الموظف اليوم لا يعرف عن الإجراءات وتسيير الأمور الإدارية والجهات ذات الصلة، لأن اعتماده الأساسي على ما لغّم حاسوبه من برامج، تماماً مثل الناس العاديين الذين اعتمدوا على تخزين الأرقام بدل حفظها، وأفضل الجمل المحببة للموظف الرقمي الجديد؛ «حمّل التطبيق، وأدخل بياناتك إلكترونياً، وستصلك رسالة بتأكيد الطلب، معاملتك ما قبلها السيستم، أرجعت المعاملة من قبل.. لاستكمال البيانات» وهكذا.. طيب حددوا النواقص لتفاديها حين التقديم مرة أخرى أو ارشدوا المتعامل أين يمكن أن يتجه بوجهه لينهي معاملته، والجواب الجاهز: «السيستم ليس لديه هذه الخاصية، يمكنك التقدم بطلب للدعم الفني»، والدعم الفني بسبب ثغرة في «السيستم» تحتاج منهم خمسة أيام عمل بحساب الموظف الإلكتروني الجديد، خمسة أيام كان الواحد من الأولين «يطحطح أرض المراغة، ويحرثها على ثور، ويسوق لها كم ثوي سماد، ويزرعها بُر، ويسقيها من اليازره، ويرد الفلي عن يلبة نخله، ويسير مزيد ويتخيطر عند خواله، ويرد، وبعده باقي من الخمسة أيام يوم حق بنت العون».
في الأول عندك مشكلة مع واحد، بتروح الشرطة وتفتح بلاغاً في مركز، وتتواصل الشرطة مع الطرفين، فإما تحل المشكلة ودياً، وفي القسم، وكل واحد أخذ حقه، وإما أن تحال إلى المحكمة، اليوم لو عندك مشكلة لا تعرف أين تذهب مثل السابق إلى الشرطة، وذلك لتعدد القنوات، وتخصص الأفرع، فلا تعرف أين تشتكي إلى دائرة الاقتصاد أو حماية المستهلك أو تروح لتسهيل ليرفعوا شكواك إلى جهة غير متأكد إن كانت صاحبة الاختصاص أو تصبح من الصبح «تداق» في المحكمة، وأنت وحظك وين يمكن «تلوث» لأن بحر المحاكم «غميج».
جميل أن نحرق المراحل، وجميلة القفزة التكنولوجية، وجميل التحول الرقمي، وعالم بلا ورق، لكن ما لا نريده أن تظل هناك مناطق رمادية تخضع لاجتهادات شخصية، وتفسيرات عديدة، وتجعل وقت الناس وجهدهم يذهبان سدى، ونحن كل أعمالنا ومنجزاتنا من أجل توفير وقت وجهد، وإسعاد الإنسان في الإمارات.