في ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة، حضرت الأغنية، وحضرت الذاكرة بكل ما تختزنه من معاني الوفاء للذين جللوا حياتنا، بالكلمة الشجية، والقافية السخية، وميزان البحور، بحور الزمن، وبحور الشجن، وبحور الصبر، في تلافيف السفر الطويل، عبر صحراء، أو موجة حملت رسائل الشوق إلى الوطن، وإلى الحبيبة، وهي تسهر على شاطئ التعب، في انتظار عودة الغائب.
في قصر المويجعي عزف دائرة الثقافة والسياحة، ممثلة بمركز اللغة العربية، لحن الخلود، على أوتار قيثارة ذاكرة، تتوهج بالوفاء لمن أعطوا، وأثروا، ومتعوا، وأسعدوا، هم شعراء الزمن الجميل، هم فلذات الأرض الطيبة، ولذلك نجد أن لفتة مركز اللغة العربية لهذه القامات إنما تعبر عن الوعي التنويري، والدور الرائد الذي تقوم به عقلية شابة، متوقدة، متحفزة، لملاحقة أطيار الثقافة الإنسانية، بمنجزات، تحيي ما قد تم نسيانه، وتعيد صياغة ما قد ترك لرياح الشمال كي تتجه إلى ما تريد، وتهوى.
في قصر المويجعي استمعنا لكلمات المسؤولين، والمعنيين بهذا العمل المتميز، وفي الوقت نفسه، كان الشاعر المرحوم، عملاق القصيدة الشعبية، كميدش بن نعمان، ينصت وهو في صمت الأبدية، ويصيخ السمع إلى كلماته التي تتردد في أرجاء القصر المهيب، فتوقظ الحمام، وتربت على أجنحة العصافير كي تنهض من السبات، لتغني مع السامرين، وتشعل مواقد السهر، فهذه ليلة من ليالي الجمال الذي شكله مهرجان الكتاب في العين، وللعين حكاية مع النظرة الأولى، وللعين قصة مع العشق والقصيدة الناهضة وعياً بأهمية أن نكون أشجاراً لا يموت لها جذر، ولا تذبل أوراق، وضرورة أن تبقى الحياة زاهية بكلمات أولئك العشاق الذين طوقوا قلوبنا بالفرح، ونسقوا قلائد المعنى الرهيب على نحر، وجيد، ووجنة.
في هذا القصر، قصر المويجعي، التقت النجوم، بأغصان النخيل، التي أطلت بأعناق النوق البيض، تزحلق مشاعر، جاءت من زمن (الحابول، والمخرافة) وجئنا نحن من جيل القلق، الجيل الذي وقع بين جيلين، نرتب أشياءنا الصغيرة، عبر أغنية، كلماتها، تسلقت السماء كأنها النجمة في ريعان بريقها، كأنها الغيمة في ذروة وحامها.
كنا معاً، في حضرة الذاكرة، ووجه كميدش بن نعمان، يطل علينا من خلال الزمن، ونافذته المشرعة على الأجيال، فشعرت بوهج يختال ضاحكاً ويطل عليّ من بين العيون، العيون الحور التي تغنت بها قصيدة بن نعمان، وغاصت بين الرموش والمقل. في تلك الليلة، شعر بميلاد جديد، وكما قال المسيح عليه السلام، (ما لم تولدوا من جديد، لن تدخلوا الجنة) فشكراً لدائرة الثقافة والسياحة، في أبوظبي، ممثلة بمركز اللغة العربية، لقد استعدنا الذاكرة، وكان الزمن الجميل يثب كأنه الجواد بين الحضور، ويلهب المشاعر بأغنيات صدح بها كبار الفنانين من أبناء هذه الدار.