بعض الأفلام خسارة ذلك الترقب والتحفز فيها، وذلك الانتظار لها، ومشاهدتها، خاصة إذا ما كنت قد وعدت نفسك بمتعة مشاهدة قطعة فنية، لوجود مخرج كبير، مثل «السير ردلي سكوت»، صاحب الروائع «غلادياتير ، مملكة السماء، المريخي» وغيرها، وقد رشح لثلاث جوائز أوسكار، لكنه لم ينلها عن أفلامه «ثيلما ولويز»، و«غلاديايتر»، و«بلاك هوك داون» وممثل أكثر من رائع هو «جواكيم فينكس» صاحب التحفة الفنية «الجوكر»، لكن فيلم «نابليون» الأخير الذي هرعت للتمتع بعرضه الأول، كان مخيباً لكثير من الآمال، وهذا الحكم ليس بالمطلق، ففي زواياه ومشاهده الكثير مما يقال خاصة في بعض المعارك، والمواقف الإنسانية، لكن في المجمل فيلم «نابليون» لم يكن بدرجة الرضا العالية التي تخرج منه، وكل الفيلم في رأسك، ويتملك كل جسدك، وتظل تهذي به طوال أيام، شعرت أن الفيلم مقتطع منه بطريقة فيها عنف، واستعجال، وغاب منه ذلك الانسجام والتناغم الفني مثل أفلام «سكوت» السابقة، وقبل نهاية الفيلم تسرب للنفس بعض الملل، وهذه نقطة ليست في صالح العمل، وتعيبه، كذلك شعرت أن حكاية نابليون المتعددة الرواة ضاعت خلال الساعتين والنصف مدة الفيلم، رغم أن المخرج قال إنه عرض الفيلم على المنصات الرقمية سيكون في قرابة أربع ساعات، وكأن الفيلم الذي عرض سينمائياً هو الجزء الأول، والجزء الآخر في الطريق، شخصية نابليون ظهرت بخلاف الصورة النمطية للقادة العظام ومشاهير التاريخ، وهذا أمر لا يعيب لأن وجهة الكاتب لا المؤرخ، ووجهة المخرج، لا كبير موظفي البلاط الإمبراطوري تختلف، وتريد تقديم الجديد في الرؤية الفنية، لذا قدما تلك الشخصية التاريخية في رأيي الشخصي بطريقة هزلية راقية، مثل جرح سكين ملكي، لكنه في الآخر جرح غائر، وإلا هل يعقل أن يترك نابليون حملته على مصر، التي كلفت الخزانة الفرنسية الكثير، ووعد بجلب الكثير من مصر، لأن زوجته «جوزفين» تخونه مع ضابط شاب، لا يظهر له وجود وتأثير في الفيلم وعلى مجرى أحداث القصة، وتجاهل من نابليون شخصياً له، وعدم تسريحه أو الانتقام منه، لأن ربما ما اقترفه وزوجته أمراً كان مشاعاً في فرنسا في ذاك الوقت. مشهد نابليون في منفاه الأخير في جزيرة «سانت هيلينا» لا يوحي بحجم تلك المأساة، وضياع ذلك التاج الإمبراطوري والأمجاد التاريخية لذلك الضابط الكورسيكي الذي وصل لرتبة عميد في السلك العسكري، وتوج كإمبراطور لفرنسا وأوروبا، والذي حكم وإخوته معظم أوروبا، ووفاته كانت بسبب سرطان المعدة، وليس بالصرع الذي كان ينتابه طوال حياته. 
الإنجليز فرحون بالفيلم وما ظهر عليه نابليون بتلك الوضعية والمشاهد، الفرنسيون ضحكوا كثيراً من ألمهم، لأنه ليس نابليون الذي عرفوا، خاصة من باب الواقعية، ليس هناك كلمة فرنسية طوال الفيلم، حتى هتاف الجماهير الثائرة: الحرية لفرنسا، كان بلغة إنجليزية، وبلكنة أميركية.
بقي الممثل الجميل «جواكيم فينكس» الذي ظهر متعباً من أول الفيلم، ولم يظهر قدراته التمثيلية الرائعة في كثير من المشاهد التي مرت فاترة، ولم يضف عليها من عبقريته، وكأنه ضاع وسط شخصية نابليون الحقيقية؛ الماكرة والعبقرية والحازمة والضعيفة والماجنة والحالمة والقيادية والمنهزمة، وغير الفرنسية الصريحة، والباريسية الحقة، وشعوره الناقص دوماً، والدونية تجاه ذاك التاج الملكي الفرنسي العالي والثقيل! 
لقد ضاع «نابليون» في الفيلم مثلما ضاع ذلك الممثل الجميل في شخصية نابليون التاريخية والمتناقضة.