تتذكرون جملة «يا أخي حطّ نفسك مكاني»! أو بمعنى آخر ليتك كنت في الموقف والظرف نفسه، تلك الجملة المراد منها التسليم بالنتيجة والموافقة على ردة فعل ذاك الشخص، وتصرفه، ولا يكفي، بل عليك أن تتبناهما، وهي مصادرة فعلية وفيها شيء من العنف تجاه الآخر، والذي يجبرك أن تتصرف مثلما تصرف في ذاك الموقف، وهي مسألة تلغي العقل، وتلغي شخصيتك، لذا نجد الكثير من الناس الذين يُملون علينا مواقفهم لننحاز لها، ونتبنى ردة أفعالهم، ولو كانت مواقف خاطئة، وردة فعل لا تتناسب مع ثقافتنا وتجربة أعمارنا، ولا حتى إيماننا ومعتقداتنا، والأمر الأدهى والأمر، حينما تقول لك امرأة: «حط نفسك مكاني»! يا عزيزتي رغم طيبتك، واحترامي لأنوثتك، ولا أعترف بالتمييز الجنساني، وربما رجاحة عقلك الأنثوي تفوق رجاحة عقلي الذكوري، «بس ما يستوي»! هناك فروق، فرق طبيعي وبيولوجي واجتماعي وثقافي، وأشياء كثيرة تمنعني من أن أكون مكانك، لأنه ببساطة لا يمكن أن يكون موقف المرأة حيال مسألة ما، يشبه موقف الرجل، هناك موازين ومقاييس وترتيبات عقل ثم قلب، وظروف نفسية فرضتها الطبيعة البشرية، لأن معادلة المرأة ربما تقدم فيها القلب والمزاج والعاطفة وغيرها، ويكون ترتيب المنطق والموضوعية في الآخر، في حين معادلة الرجل قد تكون بالمقلوب وتغيير الأولويات، هكذا هي طبيعة الحياة وتعاطي الناس مع أمورها المعقدة، فلا أحد يمكنك أن تستدعيه ليكون في مكانك، وعلى هامش الحديث هناك مصطلح بالإنجليزية «عوف»، ربما يختلف أو يتشابه في جوانب أخرى مع مقولتنا العربية، ويعني: «أنا وأنت في ذات الموقف» أو «Put yourself in my shoes»
عرفتم الآن.. أن هناك أشياء كثيرة في الحياة نسلم بها، وكأنها فرض من اللغة أو إملاء من المجتمع، نأخذه على عواهنه مستسلمين دون مراجعة للذات، ولا محاسبة الآخر الذي يريدنا أن ننسخ تصرفه أو نتبنى ردة فعله تجاه أي أمر، ولو كان هذا الأمر تافهاً، ولا يعني لنا شيئاً، وتفكيرنا يعلو عليه، ولا يتناسب مع قدرنا العلمي، ولا وضعنا الاجتماعي، ولو غصبنا بتلك الجملة العربية أو الإنجليزية آنفتي الذكر.
جملة «حط نفسك في مكاني» جملة ناقصة، وتحتاج لموقف حازم من قبلنا نحن المتلقين، فلا يمكن أن تُملَى علينا ردات فعل لمواقف لم تحدث لنا مسبقاً، وبمجرد أنها حدثت مع آخر ليطلب منا أن نكون نسخة منه حيال أمور في الحياة، لنا فيها وجهة نظر مختلفة، ورأي آخر، ليس بالضرورة مطابقاً لرأيه.
ولكي نبسط المسألة بالعامية، «واحد سوى وياك مغَيّة، أنت مغَيته ما عجبتك، قمت وفلعته بحصاة»! طيب أنت شرير وعدواني تجاه أبسط الأمور، وهذا ربما مرده لطبيعة نفسك أو مستوى تعليمك أو تربيتك أو أقلها نفسيتك تلك اللحظة وطبيعة مزاجك الشخصي وقتها، لِمَ تريدني أن أتصرف مثلك، وأتبنى الموقف ذاته؟ فقط لأن تلك الجملة مترددة، وشبه يومية في قاموس كثير من الناس، وتريد أن تفرضها عليّ، وتفرض أن أكون في مكانك أو مطرحك.