لعبة الإعلام خطرة على النفس وعلى الآخرين للذي لا يجيد لعبها، ولعبها بإتقان وحرفية، ولديه احترافية في وسائطها ووسائلها الناقلة، لذا دائماً مطالباتنا بتجنب الانزلاق إلى وحل الإعلام لمن لا يعرف أين يمكنه أن يضع رجليه بعيداً عن الزلق أو التوحل. إن الوسائط الاجتماعية سهلت للكثير طرق الولوج، والتعامل اللحظي والسريع مع كل المستجدات على الساحة الإعلامية، وتناولها مختلف القضايا، وجذب مختلف الفئات إلى منزلقات قد لا يدركونها، لأن العاطفة والحميّة والحماسة تأخذهم نحو آفاق قد لا يقدرون على بلوغها أو حتى الخروج منها، خاصة إذا كان في المقابل ترسانة إعلامية مدفوعة الأجر، ومرتزقة يقاتلون مثل ذباب إلكتروني، ومجندون من قبل فئات ودول ومنظمات ذات أجندات سياسية أو طائفية أو منافع شخصية تخدم جنون العظمة، ومحاولة استرضاء التاريخ ليدون أسماءهم في سجلاته أو تجديد حقد الزعامة الغائبة، وغيرة العصر الجديد الذي ساوى بين عملاق بأرجل خشبية، وشاب صغير لديه عقل قدر باطن كفه، لكنه قادر على هزيمة قوة العضلات المنفوخة، وعن بُعد، دون التحام أو مواجهة أو اشتباك بالسلاح الأبيض، بإمكان ذاك الشاب الصغير الذي يلاعب العملاق من خلال جهاز أن يطفئ أنوار مدينته، وأن يعزله عن العالم، وأن يسبب له خللاً في أنظمته التي تسيّر حياته اليومية. إنها حرب الشاشات التي يظن ذلك العملاق أنه قادر على تهشيمها، وتهميش ذلك القزم القابع خلفها، بإمكانه التلاعب باقتصاده، وخلخلة هويته الثقافية.
لذا الرجاء من الناس الذين لا نشك في وطنيتهم وغيرتهم وحماستهم وعاطفتهم الجيّاشة نحو قضايا الوطن، ونعرف ولاءهم ودفاعهم عن الرموز الوطنية، ومكتسبات الوطن، لكن مثلما قلنا آنفاً على الشخص الداخل في لعبة الإعلام المعقدة أن يكون احترافياً في اللعبة، وواعياً ثقافياً، وممنهجاً سياسياً، وإلا فالهزيمة آتية، خاصة وأنه لا يعرف خبايا وخفايا ما يحدث خلف الكواليس. اليوم موقع فلان، قد تديره مؤسسة مستأجرة، يخدمها فريق مؤهل، وقادر على الاستفزاز، ويمكن أن يجرّك بسهولة نحو الوحل والمنزلق. ولأضرب مثلاً بسيطاً لكي تتضح الأمور في لعبة الإعلام والإعلام الجديد، خاصة أن جل الوجوه غير مرئية، ومنتحلة، وترتدي أقنعة، وتستفيد من التقانة الحديثة لكي تضلل، وتخدع، لتصدق؛ مثلاً الحديث عن مباراة في البطولة الآسيوية والأفريقية الأخيرة، طبعاً ليس لدينا مشكلات مع كوريا أو منتخب اليابان أو حتى هونغ كونغ أو أستراليا أو الكوت ديفوار، مشكلتنا الحقيقية هي منتخباتنا العربية سواء آسيوية أو أفريقية، منها يتسلل لصوص الإعلام، وناقعو السم، والمضللون من منافقي المدينة، يبدأ الحديث عن أهلية منتخب بلد ما، وأن المنتخب المنافس لو نزل بالاحتياط لتغلب عليه، وأنهم بلا تاريخ كروي، والمنتخب المنافس «أشرف منهم»، وهنا نقطة تغيظ الناس العاديين خارج لعبة الإعلام، ثم يجرهم الحديث عن حرب غزة، ويزجون بمواقف كاذبة عن بلد المنتخب، فيبدأ التصدي بجنون خارج المنطق والعقل، فيدخل الذباب الإلكتروني واحداً أو واحدة لمزيد من الإثارة، ويكتبون تحت اسمها أنها من بلد مجاور، ليسب أو تسب المنتخب، فتتحول المعركة وتتسع دائرتها إلى بلد المشارك الجديد، ويبدأ الهبل والتطاول وخلط الأوراق والمسائل بالمشاركات الجديدة والسريعة من المتحمسين والمنافحين دون علم أو دراية، ولكن من باب نصرة الأخ على ابن العم، وحدهم المنتفعون هم الفرحون بما تم وأنجز، وقدروا أن يشعلوا الحريق في حديقتنا وحديقة الجيران!