اليوم تحيي الإمارات ذكرى قائد عظيم بنى وطناً شامخاً، وأسس صرحاً عظيماً، ووضع لبنات مسيرة عظيمة مباركة معطاة، قطوفها متواصلة، يعم خيرها البلاد والعباد، وامتد إلى كل أرجاء المعمورة وشعوبها دون تمييز، لأنه ببساطة كان يؤمن بقيمة الإنسان وبأنه «لا فائدة من الثروة إن لم تسخر لأجل الإنسان».
قائد علمنا وغرس فينا حب الخير ومساعدة كل ذي حاجة أينما كان، قائد زرع في قلوبنا كل معنى جميل وراقٍ للحياة بحب الإنسان لأخيه الإنسان، فكان هذا الوفاء الكبير والعظيم للوالد والمؤسس والباني الذي رحل عن دنيانا الفانية منذ أكثر من عشرين عاماً، وظل وسيظل متربعاً على القلوب وحاضراً بقوة في ذاكرة الوطن والأجيال.
ومن وفاء أبناء الإمارات للمؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ولنهجه وإرثه الخالد، أن جعلوا من ذلك اليوم الذي حمل المصاب الجلل برحيله «يوم زايد للعمل الإنساني» الذي يصادف 19 رمضان من كل عام، وفاء وتخليداً لإرثه، وتأكيداً على مواصلة نهجه في العطاء ومد يد العون لجميع الدول والشعوب من دون تمييز أو تفرقة.
يحمل الاحتفاء مشاركة جميع مؤسسات الدولة الرسمية، والمؤسسات الخيرية والإنسانية، وجمعيات النفع العام، ومؤسسات المجتمع المدني واستعراض جهودها ومبادراتها على «نهج زايد»، وتذكير الأجيال بسيرته العطرة ومآثره الخالدة.
ذات مرة وكنا في المجلس الرمضاني العامر لقائد المسيرة المباركة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، روى سموه للحضور مشاهدات من رحلته لإحدى مناطق قبائل الماساي التي تعيش على الرعي بين كينيا وتنزانيا وظروفهم المعيشية الصعبة، وأنه نقلها للوالد المؤسس الذي أمره بالعودة على الفور لتوفير احتياجاتهم حتى وإنْ كانوا على غير ديننا، وقال له كلمة تدوي في أسماع التاريخ «أليس الذي خلقنا خالقهم»، في أبلغ وأعظم درس في التسامح وعون المحتاج.
لقد رسم المؤسس، طيب الله ثراه، طريقاً متفرداً، بعطاء غير محدود ولا مشروط في مجالات العمل الإنساني والخيري بلغ صداه أرجاء العالم دون استثناء.
لقد حرص زايد الخير، مؤسس وباني بلد زايد الخيّر، على مأسسة واستدامة العمل الخيري والإنساني لضمان استمرار توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية للمجتمعات المحتاجة، ليس ذلك فحسب، بل تجاوزه بمشاريع تنموية تهدف إلى جعل أهالي تلك المناطق منتجين يعتمدون على أنفسهم. ورسخ قيماً إنسانية رائدة، في احترام البشر كافة، فارتقت الإمارات وأصبحت نموذجاً للعمل الخيري والإنساني إقليمياً ودولياً.
وفي مثل هذا اليوم، وكل يوم، نستذكر النصيحة الثمينة لسلطان القلوب، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، وهو يقول: «أيتها الأم... أيها الأب... امسك القلم واجعل أبناءك حولك، وسطّر... هذا ما كان يحبّه زايد، وهذا ما كان لا يحبّه زايد، ونجمع تلك الأوراق، ونضعها في الصدور، ونضعها في مقدمة الدستور، وبهذا الوفاء نكون قد أوفينا زايد حقه». رحم الله المؤسس وطيب ثراه، وجعل الفردوس الأعلى داره ونزله، وأدام عز الإمارات منارة وعاصمة للخير والإنسانية.