طه حسيب (أبوظبي)
سلطت الجلسة الثانية من منتدى الاتحاد السابع عشر على محور «اقتصاد المعرفة وتنويع الفرص الاستثمارية». الجلسة أدارها الأكاديمي الموريتاني عبدالله السيد ولد أباه الذي أشار إلى أن المنتدى يركز على الطفرة التنموية الهائلة في الإمارات، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتضمنت الجلسة 4 مداخلات رئيسية، أولاها عن «اقتصاد الفضاء..خطوات إماراتية غير مسبوقة»، وتحدث خلالها الكاتب الإماراتي عبدالله العوضي عن طموح الإمارات التنموي، والذي نقل هذا البلد من صحراء الإمارات إلى صحراء المريخ، مذكراً الحضور بأن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، التقى رائد الفضاء الأميركي جيمس إروين، أحد رواد الفضاء الأميركيين الذين قاموا برحلات إلى القمر أثناء برنامج أبولو، وكان ذلك في عام 1974، آنذاك قال: «إننا في دولة الإمارات العربية المتحدة نساير أنفسنا مع الزمن، ومحاولة الحصول على كل ما هو جديد من شأنه أن ينفعنا في حاضرنا ومستقبلنا». أحرزت الإمارات، حسب العوضي، نجاحات مستحقة في إطلاق «مسبار الأمل»، وأثبتت للعالم أنها شريكة معه في مضمار الفضاء، وعلى أتم الاستعداد لتحمل مستحقات هذه الشراكة الكونية.
ولفت العوضي الانتباه إلى أن حجم صناعة إطلاق الأقمار الاصطناعية والتي تندرج تحت قطاع (النقل الفضائي) بأكثر من سبعة مليارات دولار سنوياً، ويتضح حجم ومدى هذا الاهتمام من بلوغ حجم الاستثمار في الاقتصاد الفضائي عام 2010 أكثر من 50 مليار دولار (185 مليار درهم). ويقدر حجم العوائد المتوقّعة من «اقتصاد الفضاء» وفقاً لدراسة أصدرها مصرف «مورغان ستانلي» العام الفائت بأنه سيتخطى التريليون دولار عام 2040.
وواصل العوضي مداخلته، مشيراً إلى أن حجم اقتصاد الفضاء العالمي بلغ 370 مليار دولار في عام 2021، فيما يتوقع الخبراء نمواً بنسبة 75% للقطاع ليصبح 642 مليار دولار بحلول عام 2030.
معادن الفضاء
وتطرق العوضي إلى أهمية المعادن الفضائية التي تحتوي مزايا عديدة تفتقر إليها الأرض، لذلك تعمل وكالات الفضاء العالمية على الاستثمار في استخراج المعادن من المناجم الموجودة في الفضاء الخارجي لتعويض النقص في مناجم كوكب الأرض، والتي تُقدر قيمتها بأكثر من 10 كوادريليون دولار (10 مليارات مليارات).
وقد بلغ حجم اقتصادات الفضاء عالمياً ما يقارب 330 مليار دولار نهاية عام 2014 بمعدل نمو يزيد على 9% مقارنةً بحجمها في عام 2013، والذي كان مُقدراً بنحو 302.5 مليار دولار. ويساهم هذا النمط الاقتصادي في توظيف حوالي مليون شخص حول العالم، إذ يبلغ متوسط أجر الواحد منهم 110 آلاف دولار سنوياً.
وبلغ نصيب الولايات المتحدة فقط من إجمالي هذا الاقتصاد 43 مليار دولار بما يعادل 13% من حجمه، فيما يبلغ إنفاق بقية الدول المنخرطة في اقتصادات الفضاء 36 مليار دولار بنسبة 11%. ووصلت الأنشطة الصناعية والتجارية الفضائية إلى ما يقارب 128 مليار دولار بنسبة 39% من حجم اقتصادات الفضاء، كما يبلغ نصيب الأنشطة الخدمية الخاصة بالمنتجات الفضائية 123 مليار دولار بنسبة 37%.
أميرة محمد اثناء تقديم فعاليات المنتدى
أهم محركات الاقتصاد
وتعتبر قطاعات الفضاء والاستكشافات الفضائية بالإمارات من أهم محركات الاقتصاد حالياً، حيث تخطت الاستثمارات الإماراتية في مجال تكنولوجيا الفضاء حالياً عتبة 20 مليار درهم إماراتي (نحو 5.5 مليار دولار).
ورغبة الإمارات في تطوير قطاعاتها الإنتاجية تظهر بوضوح من خلال برنامج التحول التكنولوجي في القطاعات الصناعية والإنتاجية التي تستهدف تطوير 1000 مشروع تكنولوجي، ويتضمن إنشاء مراكز وطنية للتمكين الصناعي، ويهدف لتصدير منتجات تكنولوجية إماراتية متقدمة بقيمة 15 مليار درهم سنوياً، لتطبيق رؤية القيادة الرشيدة في تحقيق نقلة نوعية لأتمتة الصناعة.
ولفت العوضي الانتباه إلى خطوات جادة صوب الابتكار عبارة عن بطارية شحن خاصة بالمركبات الكهربائية صنعت بأيدٍ إماراتية خالصة، في طريقها إلى التسويق التجاري قريباً، وهكذا ستبدأ الإمارات في غرس علامتها التجارية الخاصة في آفاق الفضاء، وهذا طموح مبرمج في عقول شباب المستقبل لاستقبال ما هو أفضل وأجمل.
اقرأ أيضاً:
«منتدى الاتحاد الـ17» يحلل أفق اقتصاد المعرفة في الإمارات
الجلسة الأولى في «منتدى الاتحاد الـ17»: الذكاء الاصطناعي.. نفط القرن الـ21
الجلسة الثالثة في «منتدى الاتحاد الـ17»: خطوات لمواجهة الأزمات الاقتصادية
استثمارات واعدة
وفي مداخلته المعنونة بـ «استثمار قوة الإمارات الناعمة في التكامل الاقتصادي الإقليمي وربط الشرق بالغرب تجارياً»، استنتج جمال سيف الجروان، الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج، أن الاستثمارات الإماراتية إقليمياً وعالمياً، والتي توجد اليوم في أكثر من 60 دولة بمختلف قارات العالم، تساهم في دعم مسيرة التنمية الاقتصادية لدولة الإمارات. وأكد الجروان أن الاستثمارات الإماراتية في الخارج تتمتع بالاستدامة والتأثير، وتشكل قيمة مضافة لاقتصادات البلدان التي تعمل بها بداية من توفير آلاف فرص العمل من أبناء الدول المستقطبة للاستثمارات الإماراتية، وصولاً لنقل الخبرة والمعرفة والتكنولوجيا التي تعد إحدى أبرز أدوات القوة الناعمة لدولة الإمارات.
وأكد الجروان أن التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات واصلت مسارها الصاعد مسجلةً رقماً قياسياً جديداً في النصف الأول من العام الجاري بلغ تريليوناً و53 مليار درهم (حوالي 288 مليار دولار)، وذلك للمرة الأولى في تاريخها، وبنسبة نمو بلغت 17% مقارنةً بالنصف الأول من عام 2021، وبارتفاع نسبته 25% و35% مقارنةً بالفترة نفسها من عامي 2020 و2019 على التوالي، مع استضافة الإمارات للمزيد من الفعاليات العالمية الكبرى والرئيسية، ونجاحها في الفوز بتنظيم مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب 28» عام 2023، والذي يعد أهم وأكبر مؤتمر دولي للعمل المناخي.
التجربة الهندية
وعن تجربة الهند في الاقتصاد الرقمي واستثمار الطفرة التقنية، خصصت الجلسة الثانية مداخلة للكاتب والدبلوماسي الهندي السابق الدكتور ذِكْر الرحمن، استنتج خلالها أن الهند اليوم تعد واحداً من الاقتصادات الرقمية الأسرع نمواً في العالم.. وتشير جل التقديرات إلى أنها ستصبح اقتصاداً رقمياً يبلغ حجمه 1 تريليون دولار. ونوّه ذِكْر الرحمن إلى أن الهند سجلت أكثر من 88.4 مليار عملية دفع رقمي في 2021-2022، و284 مليون عملية رقمية في اليوم كمتوسط في السنة المالية 2022-2023 (إلى 24 يوليو 2022).
واستند ذِكْر الرحمن إلى تقرير صدر مؤخراً بعنوان «فرصة التريليون دولار الرقمية للهند»، مفاده أن هذا البلد يستعد ليصبح اقتصاداً رقمياً بقيمة تريليون دولار، ويمكن أن يوفر ما بين 60 مليوناً إلى 65 مليون وظيفة مدعومة رقمياً بحلول 2025-2026، بيد أنه ما زالت هناك تحديات مثل انخفاض سرعة الإنترنت في المناطق الريفية والبلدات الصغيرة. وهناك ملايين من المحرومين من الوصول إلى الإنترنت. ولكن وسط كل هذا، ليس هناك شك في أن بصمة الهند الرقمية ستتوسع.
مكاسب التحول
وأشار ذِكْر الرحمن إلى أن هناك إمكانية لمضاعفة القيمة الاقتصادية الناتجة عن التحول الرقمي للهند من سوق سريع النمو للتكنولوجيات الناشئة خمس مرات بحلول سنة 2025 (في الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الـ «بلوك تشين»، والطائرات المسيّرة، وعلم الروبوتات، على سبيل المثال) وتكييفها مع احتياجات الهند.
دعم حكومي
وأكد ذِكْر الرحمن أن الحكومة الهندية فاعل كبير في دعم وتطوير الخدمات الرقمية، ويمكنها أن توفّر ظروفاً مساعدة لأفضل الابتكارات وتطبيقات التكنولوجيا في البلاد. وضمن هذا الإطار، أتاحت حملتها للإدماج المالي من خلال «برادهان مانتري جان-دهان يوجانا»، والتي تعني «مهمة رئيس الوزراء للإدماج المالي للسكان»، فتح ملايين الحسابات المصرفية الموثقة بوساطة نظام «آدهار» والمرتبطة بالهواتف المحمولة. وفضلاً عن ذلك، ساهم وقف استخدام العملات الكبيرة و«كوفيد- 19» في إعطاء العمليات التجارية الرقمية دفعةً قويةً وغير مسبوقة.
أبوظبي ودبي ضمن قائمة أفضل 50 مدينة ذكية في العالم
وعن «الاستثمار في الطاقة المتجددة وتقنيات الفضاء»، قدم الكاتب والباحث الإماراتي الدكتور سالم حميد مداخلة، استنتج فيها أن اقتصاد المعرفة تأثر بالعولمة وثورة المعلومات والشبكة العنكبوتية التي غيرت قواعد اللعبة في القرن الحادي والعشرين. وتوصل حميد إلى قناعة بأن الجيل الجديد من التقنية وطرق التواصل البشري، غيرا قواعد اللعبة في قرية كونية متداخلة.
ويرى حميد أن ما يسمى «ثورة» مقبلة عبر تقنيات «الميتافيرس» تفرض شروطاً مختلفة تتعلق بالاقتصاد وتفاصيله كافة، فالبعض يتحدث عن ثورة تدفع لتغير شامل من خلال الاستثمار في الواقع الافتراضي والأصول الرقمية، وأيضاً تغيير شكل التسويق الإلكتروني التقليدي، وتغيير أساليب العمل التقليدي المتمثل في تأصيل العمل عن بُعد، وهذا الواقع قد عشناه بسبب وباء كورونا، وعلى ما يبدو سيصبح أسلوباً معمماً في المستقبل.
ويتنبأ حميد بأن الأمر لن يتوقف عن العمل عن بُعد في واقع افتراضي بل أيضاً عن التجارة في عالم الميتافيرس والتسوق والبيع والشراء مثل المتاجر الافتراضية وغيرها الكثير، لتؤكد اقتصاداً جديداً حديثاً لا يشبه ما نعرفه حالياً، وسيأخذ حصة الأسد من الاقتصاد التقليدي الحالي، أما خصائص هذا الاقتصاد فتتجلى في الابتكار والتعليم كأساس للإنتاجية والتنافسية الاقتصادية والبنية التحتية المبنية على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والحوافز التي تقوم على أسس اقتصادية قوية.
موقع الإمارات في اقتصاد المعرفة
وأكد حميد أن الإمارات أحرزت قفزة نوعية في اقتصاد المعرفة لتكون ضمن دول قليلة تصدرت مؤشر المعرفة العالمي، حيث جاءت نتائج 2021 لتؤكد موقع الإمارات المتصدر عربياً في نتائج مؤشر المعرفة الذي يهدف إلى قياس المعرفة على مستوى العالم كمفهوم شامل مرتبط بشكل وثيق بالتنمية المستدامة وبمختلف أبعاد الحياة الإنسانية المعاصرة، حيث حصلت الإمارات على المركز الـ 11 عالمياً والأول عربياً.
دعم الاقتصاد بالمعرفة
وأضاف حميد أن الإمارات أدركت أهمية الاستثمار في المعرفة التي تقود في النهاية لدعم الاقتصاد وتطويره، وهنا نقتبس عن وزارة الاقتصاد في دولة الإمارات من القطاعات التي أدرجتها تلك التي لها علاقة بالمعرفة وتنوع الفرص الاستثمارية: قطاع التعليم، فمن المتوقع أن يسجل سوق التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة معدل نمو سنوي مركب يقارب 5% خلال الفترة من 2018 إلى 2022، وقامت تطبيقات التكنولوجيا المتقدمة في التعليم والتعلم في تحقيق تقدم ملموس بحلول عام 2025 مع دمج حلول الواقع الافتراضي/ المعزز والذكاء الاصطناعي بشكل متزايد في عمليات تقديم التعليم والتعلم الأساسية. وفي قطاع الفضاء، أصبحت الإمارات مركزاً إقليمياً لخدمات الفضاء والفعاليات والبرامج التعليمية المتخصصة في الفضاء، ويشمل اقتصاد الفضاء قطاعات توفر إمكانات الاستثمار الأكبر في دولة الإمارات، تشمل التنقيب عن المعادن في الفضاء والمحطات الفضائية وشركات الفضاء والاستدامة وإعادة التدوير في الفضاء، وأيضاً في الطاقة المتجددة، حيث تخطط دولة الإمارات لتوليد معظم طاقتها الكهربائية من مصادر الطاقة الشمسية بحلول عام 2050.
الطاقة المتجددة
وأكد حميد أن لدى دولة الإمارات خططاً لتوليد معظم احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة المتجددة بحلول عام 2050، ولديها فرص كبيرة في مجال الطاقة الشمسية وتحويل النفايات إلى طاقة وطاقة الرياح ومعالجة المياه، ومن المتوقع أن تزداد أهمية التكنولوجيا الزراعية، خاصة مع نمو استهلاك الغذاء في الدولة بمعدل سنوي يبلغ 3.5%، وتزداد أهمية التقنيات الزراعية المتطورة في تحقيق الأمن الغذائي.
مدن ذكية
وحسب حميد، تأتي المدن الذكية والتنقل الذكي رافدين مميزين للإمارات، حيث تصنف أبوظبي ودبي في قائمة أفضل 50 مدينة ذكية في العالم، وذلك بفضل تدابير مثل التحول الرقمي للحكومة، ومبادرات دبي الذكية، و«إكسبو 2020 دبي» بوصفه واحداً من أفضل الأحداث المتصلة بالعالم. ويشير حميد إلى أن أبوظبي ودبي صنفتا على أنهما أذكى المدن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «مؤشر المدينة الذكية 2021» من قبل معهد التنمية الإدارية (IMD) وجامعة سنغافورة للتكنولوجيا والتصميم (SUTD).
استراتيجية الطاقة
وواصل حميد مداخلته، مشيراً إلى أن الإمارات في عام 2017، أطلقت استراتيجيتها للطاقة 2050 التي تعتبر أول خطة موحدة للطاقة في الدولة توازن بين جانبي الإنتاج والاستهلاك، والالتزامات البيئية العالمية، وتتضمن بيئة اقتصادية مريحة للنمو في جميع القطاعات. ويقول حميد: «لدى الإمارات استثمارات مليارية في مجال الطاقة النظيفة تجاوزت سقف 120 مليار دولار عبر مشاريع رائدة ومتميزة في المنطقة شملت هذه المشاريع الطاقة الشمسية والطاقة النووية وكل ما يتعلق بالطاقة المتجددة التي تحقق فكرة الاستدامة. وقد حققت أبوظبي ريادة في مجال الطاقة النظيفة لتكون محطة مصدر لتوليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية الأكبر في منطقتنا العربية وليس مصدر وحدها، بل مشروع «براكة» للطاقة النووية وهو مشروع طاقة سلمية سيكون له دور كبير في توليد الطاقة النظيفة في الإمارات، كذلك هناك مشاريع مستدامة تعتمد على تحلية مياه البحر عبر الطاقة الشمسية، أيضاً في دبي مشاريع عملاقة للطاقة النظيفة، ومثال ذلك مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية، والسعي لأن يكون ثلث إنتاج الكهرباء عبر الطاقة النظيفة، وهو مشروع طموح يجري العمل على تحقيقه».