الإثنين 17 يونيو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«حجر الرحى».. قصة وطن وقائد تاريخي

بوستر الفيلم
5 يناير 2023 00:35

فاطمة عطفة (أبوظبي)

كان وما زال الفن السينمائي من أقوى وأهم أشكال الإبداع التي تحتضن جميع الفنون، وتأتي هذه الأهمية للسينما لأنها تجمع في روايتها المصورة الحوار والموسيقى والتشكيل والصورة، كما تجمع الفن الدرامي مع الوثيقة التاريخية المؤكدة بالصورة. وفي هذا المجال، تابع الأديب والسينمائي الإماراتي ناصر الظاهري العمل في مشروعه الفني في إنتاج وإخراج أفلامه الوثائقية الطويلة، بدءاً من «سيرة الماء والنخل والأهل» وكان آخرها «حجر الرحى: العين.. أول من رأت الأحلام»، وبهذا العمل الملحمي الكبير يروي الظاهري مرحلة أساسية مهمة من تاريخ الوطن، متمثلة بحكمة الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وأحلامه ومشاريعه العمرانية وكيف انطلق بإرادة صلبة في بناء مؤسسات الدولة، حيث كان حكيم العرب حاضراً وساهراً على تحقيق أفكاره التنموية والحضارية وخططه في تأمين سبل التعليم والصحة والسكن وتوفير المياه الصالحة للشرب والزراعة، منذ سنة 1946 في مدينة العين، ثم تولى حكم إمارة أبوظبي بعد عشرين سنة، وانطلق منها إلى تحقيق حلم الإمارات بقيام الاتحاد في 1971. وقد شهدت «الاتحاد» أول عرض لهذا العمل الفني مؤخراً في صالة سينما «فوكس» في جاليريا مول بجزيرة المارية.

انطلق العمل السينمائي من حجر الرحى وهي تدور وكأنها ترمز لدورة الزمن، وكانت مليئة بحبوب القمح لتؤمن العيش للعيال. وكان دوران الرحى يشكل إيقاعاً جميلاً يتكرر كلما أراد المخرج أن ينتقل من مرحلة تاريخية إلى مرحلة أفضل. ومن مشهد الرحى يتابع العرض ليقدم للمشاهد صوراً من العين، المدينة والواحة حتى نصل إلى إمارة أبوظبي، وهي محوطة بمساحات وكثبان رملية وبيوت وخيام متباعدة وفرسان وهم على خيولهم، وذلك قبل حوالي مئة سنة، حيث كانت حياة البادية تعتمد على البساطة وانتظار مواسم المطر وانتجاع المراعي وتربية المواشي والإبل والأغنام والسكن في بيوت الشَّعر، إضافة إلى لقطات من الحراثة والبذار وانتظار المطر، وإشعال النار في مواقد الحطب وإعداد الطعام والقهوة والصيد بالصقور.
ويجمع العرض الفني الجميل بين صور الطبيعة وسرد الأحداث على ألسنة الشهود من كبار السن الذين عاشوا تلك الفترة بصحبة القائد المؤسس، ورافقوا أحلامه وأعماله، وكانت وجوه الرجال وملامحهم وأيديهم وأحاديثهم تحكي تاريخ إمارة أبوظبي تحت قيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وحكمته وسهره ومتابعته لكل شأن من شؤون الناس والأرض، إضافة إلى هواية الصيد بالصقور، وحبه للشعر وكتابته وإنشاده. 

رواية وثائقية
وإضافة إلى كل ما سبق، يعرض الفيلم لقطات من الطبيعة، بحرها وصحرائها برمالها وكثبانها ونخيلها، ومشاهد من حياة الناس والصعوبات التي كانوا يعيشونها، بداية من تأمين الماء الصالح للشرب أولاً، ثم لري الزرع والنخيل بعد ذلك، لأن الأمطار كانت شحيحة ولا تكفي، وكان تأمينها من أهم الأفكار التي شغلت أفكار القائد المؤسس وجهوده الميمونة لتأمينها، سواء بتخزين مياه الأمطار في الآبار أو بإصلاح الأفلاج وترميمها، إلى جانب مشاهد أخرى عديدة، منها: قطع فروع الأشجار اليابسة وتدبير الحطب لإشعال النار، وصعوبة الانتقال في البر والبحر، والسفر إلى البحر للعمل بالغوص على اللؤلؤ، حيث كان الرجال يغيبون في مغاصات اللؤلؤ، وتبقى مسؤولية البيت والأولاد على أكتاف الأمهات، حتى يصل تطور الأحداث إلى بناء دولة الاتحاد وتبوؤ مكانتها العربية المرموقة وأهميتها العصرية الكبيرة بين دول العالم. 
إن فيلم «حجر الرحى» رواية وثائقية مصورة تحكي قصة نهوض إمارة أبوظبي من خلال متابعة حياة الوالد المؤسس في أهم مراحل شبابه. وحرص العرض على التقاط أهم ما يرويه الشهود من أبناء ذلك الجيل، عن القائد المؤسس وأعماله الجليلة، ويكشف الفيلم عن تجربة أبوظبي في مسيرتها التاريخية من خلال شهادات العديد من الرجال المعاصرين للأحداث.
وعلى مدار ساعة ونصف ساعة، استطاع الكاتب المخرج والمنتج ناصر الظاهري أن يسجل معالم أساسية ومحطات مهمة من المسيرة الطويلة التي عاشتها إمارة أبوظبي وتكللت بالنجاح، على رغم صعوبة البداية، وتجلت خلالها القيادة الرشيدة والأفكار المستنيرة للوالد المؤسس، انطلاقاً من مدينة العين، وإدارته الحكيمة في ظروف معيشية وصحية وتعليمية واقتصادية صعبة، ثم بناء العاصمة أبوظبي، وكيف أدار أمورها بدءاً من حفر الآبار وتوفير المياه مجاناً للسكان واستقدام الأطباء والمعلمين من الخارج، وجعل التعليم مجاناً، إضافة إلى تخصيص أراض للسكن للمواطنين ومزارع ومرافق عامة لتأمين حياة عصرية كريمة وآمنة. 

نشر التعليم
ويتحدث العمل السينمائي على ألسنة الشهود من كبار السن عن الحياة القاسية والأوقات الصعبة في ذلك الزمن، حيث لا يوجد إلا الرمل، ولكن الوالد المؤسس أمر بحفر الآبار لتأمين الماء العذب، وبناء المستشفيات والمدارس، وتخطيط ورصف الطرقات. وكان يتابع هذه المشاريع ويسهر على حسن تنفيذها، كما يسهر على شؤون الناس وتلبية كل حاجاتهم. وبمقدار ما كان مهتماً بتأمين المياه الضرورية لحياة الناس، عمل أيضاً على نشر التعليم، حيث فتحت جامعة الإمارات في 1977، وكان لها دور بارز في تكوين المؤهلين علمياً في مختلف المجالات الذين لعبوا دوراً مهماً في خدمة قطاعات الدولة الحديثة بكل مرافقها ومؤسساتها العصرية.
أما قصة الاتحاد وقيامه على أسس راسخة من المحبة والإرادة الحرة والتفاهم والمعاملة الأخوية الطيبة بين جميع أبناء الإمارات والمقيمين فيها، فهذه القصة تستحق دراسة خاصة وإنتاج أكثر من فيلم سينمائي آخر. ويكفي هنا أن نشير إلى أن فيلم «حجر الرحى» كان الأساس والمنطلق، وقد تناول الكاتب بلمحات موجزة الأسس والمقدمات التي قامت عليها دولة الإمارات العربية المتحدة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©