الخميس 3 أكتوبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

صاحبات الهمم.. نجمات غلاف «فوغ»

صاحبات الهمم.. نجمات غلاف «فوغ»
13 مايو 2023 01:19

لندن (الاتحاد) 

تميل صناعة الموضة تاريخياً إلى تجاهل مجموعات أو مجتمعات معينة، وبالتأكيد الأشخاص ذوو الإعاقة ليسوا غرباء عن الإقصاء داخل الصناعة، هكذا تقول مجلة فوغ - النسخة البريطانية.
فهذا القطاع الغارق في النخبوية على كل المستويات، تتمحور حركته كلها حول من هم الأفضل والأغنى والأجمل والأكثر رشاقة وصحة.. أنها صناعة لعالم مثالي خارق لقوانين الحياة العادية.. اسألوا أغلفة المجلات المصقولة التي تحتلها فاتنات رشيقات تضج وجوههن بماء الحياة المترفة الناعمة الذاهلة عن حقائق الواقع الصعب والخشن الذي يعيشه الملايين من عامة البشر الذين هم ملح الأرض.
لكن الصحافة الغربية، ضمن حركة تصحيحية عامة تشهدها المجتمعات الأميركية والأوروبية، تحاول أحيانا تصحيح الوضع، من أجل ضمان تمثيل أطياف متنوعة على الأغلفة حتى لا تبقى قاصرة على فئات بعينها.
مجلة فوغ - بريطانيا، قامت بخطوة رائدة في أحدث أعدادها. لقد وضعت المجلة على أغلفتها شخصيات بارزة في أوساط أصحاب الهمم. وهم بالتأكيد قد لا تنطبق عليهم المعايير الصارمة التي اعتاد صناع الموضة وأحباؤها وجمهورها فرضها على المجال العام منذ عقود طويلة.
ويركز العدد على 19 شخصاً من أصحاب الهمم، وهم نجوم بارزة في عوالم الأزياء والرياضة والفنون. خمسة منهم على الأغلفة، وهم الممثلة سلمى بلير، المصابة بالتصلب المتعدد، وعارضة الأزياء إيلي غولدشتاين، المصابة بمتلازمة داون، وسائق السباقات نيكولاس هاميلتون والممثلة الكوميدية روزي جونز، وكلاهما مصاب بالشلل الدماغي، وجوستينا مايلز، وهي صماء ومترجمة للغة الإشارة.
وتظهر أيضاً سينيد بورك كمحررة مساهمة ونجمة غلاف. وهي تدير شركة استشارات Tilting the Lens، تقدم المشورة لعلامات تجارية مثل Netflix 
وStarbucks حول كيفية جعل أعمالهم أكثر ملاءمة لأصحاب الهمم. يقف وراء المبادرة، إدوارد إنينفول رئيس التحرير الذي غير فوغ 180 درجة منذ توليه منصبه في 2017.
يقول إنينفول - 51 عاماً، إن عدد مايو من المجلة يمثل استمراراً لمهمته من أجل أن يجد الجميع أنفسهم ممثلين في صناعة الأزياء، مهما كان اختلافهم من حيث الشكل والوزن أو الصحة والمرض، مؤكداً أن هذه هي مهمة فوغ الأساسية.
ويضيف أنه تأثر جزئياً بتجربته الخاصة مع «الإعاقة غير المرئية»، لأنه يعاني من إعاقات بصرية وسمعية بالإضافة إلى اضطراب في الدم. ويعد إنينفول استثناء من كل الوجوه في صناعة الموضة.. فهو أول رئيس تحرير لـ «فوغ» من أصل أفريقي، وتولى منصب مدير التحرير في سن 17 عاماً ، كما أنه يشغل الآن منصب مدير النشر في دار كونديه ناست المؤسسة الإعلامية الكبرى البالغ عمرها 114 عاماً والتي يصدر عنها العديد من الصحف والمجلات الكبرى.
وفي الحقيقة لم تأت مبادرة فوغ من فراغ، ففي السنوات الأخيرة، يتزايد الحديث في الميديا وصناعة الموضة عن ضرورة إدماج أصحاب الهمم في الموضة. فصار هناك اعتراف بالعلامات التجارية للملابس التكيفية، كما أنه في كل عام نرى المزيد من عارضات الأزياء صاحبات الهمة يمشين على ممرات عرض الأزياء. وفي عام 2019، بدا الأمر وكأنه اختراق عندما أصبحت مؤسسة Tilting the Lens والرئيسة التنفيذية سينيد بورك أول شخص معاق بشكل واضح يظهر على غلاف فوغ.
تقول سينيد للمجلة: «لإحداث تغيير ذي مغزى، يجب ألا نصمم استثناءات بل مسارات وخطوط مستقيمة» يعد التصميم التكيفي والصب الشامل أمراً مهماً - ولكن يجب أن يؤدي التغيير المنهجي إلى صناعة أزياء لا تشمل أصحاب الهمم  فحسب، بل يسهل الوصول إليها على الجميع في أي مرحلة من حياتهم». ومن أجل إطلاق عدد شهر مايو الحالي من المجلة تعاونت سينيد وفريقها في Tilting the Lens مع رئيس التحرير إدوارد إنينفول. تتذكر سينيد: «لقد كانت واحدة من أكثر اللحظات سريالية في حياتي كلها». لقد أرادت المجلة البريطانية مناقشة طموحها في «إعادة صياغة الموضة من منظور الإعاقة».
ويكشف إينيفول سراً عندما يقول لـ «بي بي سي 4» إنه رفض العديد من الإعلانات المهمة لدور أزياء كبرى من أجل مبادرة دمج أصحاب الهمم، لأن تلك الدورلا تشاركه رؤيته بشأن ضرورة استيعاب الجميع.
وأضاف إنينفول: قالوا لي إن فكرة استيعاب وتمثيل جميع الأطياف في المجتمع تهدد سمعة المجلة ونخبويتها، مؤكداً أنه مستعد لتلقي ضربة مالية لدعم قيم التنوع والشمولية في مجلته.
وتابع: «لم يكن الأمر كذلك حتى صدرت المجلة واستقبلها العالم بطريقة رائعة حتى اقتنع الناس. لذلك كان علينا إبعاد أولئك الذين لا يشاركوننا رؤيتنا حقاً. هذا شيء لسنا خائفين من القيام به».
ثم قال: «أعتقد أن هذه واحدة من أكثر الأعداد التي لا تصدق التي حظيت بشرف تحريرها في فترة ولايتي».
ماذا فعلت المجلة بالضبط؟
عدد مايو من «فوغ» البريطانية يمثل سابقة تاريخية للمجلة، حيث يضم الإصدار خمسة أغلفة مختلفة، كل منها تتصدره صورة شخصية استثنائية مؤثرة لأصحاب الهمم: سلمى بلير، وإيلي غولدشتاين، وجوستينا مايلز، وآرون روز فيليب، وسينيد بورك. ويأتي ذلك في إطار مبادرة شجاعة بعنوان «إعادة تأطير الموضة: طبعة خاصة تسلط الضوء على المعاقين والإعاقة وسبل إنصافهم وتسهيل حياتهم».
وفي حدث نادر لنشر المجلات - يتوفر الإصدار بطريقة برايل ونسخة صوتية، مما يجعل المجلة في متناول الكثيرين.
درس بليغ 
ثمة فكرة - غير دقيقة - شائعة في الميديا الغربية عن العالم العربي تقول إن الصحافة عاجزة عن القيام بدورها الحقيقي في كشف أوجه الخلل والسلبيات.. لكن المفارقة الغريبة، أن العكس يحدث أحياناً.. بمعنى أن بعض الحكومات العربية تقوم بجهود جبارة على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بينما إعلامها عاجز عن ملاحقة منجزاتها. يتعلق الأمر هنا بكفاءة المنظومة الإعلامية التي اعتادت العمل وفق توجهات محددة، عطلت لديها على مدار السنين حاسة الابتكارة والإبداع. مثلاً على الصعيد المجتمعي كيف يمكن للحكومة أن تكون متقدمة دوماً بخطوات كثيرة على الإعلام في قضايا من نوع دمج أصحاب الهمم وتقديم كل التيسيرات التي تضمن مساواتهم مع أقرانهم في الفرص والخدمات والعيش الكريم، بينما الصحافة والإعلام عموماً عاجزين بدرجة كبيرة عن طرح مبادرات تستثمر أو حتى تواكب الجهود الرسمية في هذا الاتجاه، على الرغم من كل المنصات والتحديثات التقنية التي طالت المنظومة كلها.
مجلة فوغ - النسخة البريطانية - تقدم لنا درساً بليغاً في كيفية طرح وتبني مبادرات استثنائية تجعل الحياة أفضل لكثيرين من أفراد المجتمع، بموازة الجهود الحكومية والحراك المجتمعي.
هنا يتبين كيف أنه أحياناً ليس مطلوباً من الصحافة أن تكون حتى رائدة، بل يكفيها أن تواكب جهود الدولة ومساعيها لتحقيق تطلعات المجتمع بكل فئاته. أي أنه لا يتعين على الصحافة أن تكون مجرد صدى صوت، بل يمكن - ببعض الاجتهاد والأفكار الخلاقة - أن يكون لها هي أيضاً صوت يسهم في تعزيز ودعم السياسات العامة.
في هذا المجال، هناك الكثير الذي يمكن للإعلام أن يقوم به من أجل دمج كل الأطياف في التيار العام للمجتمع. فليس من المنطقي أبداً أن تبقى الصحف ومحطات التلفزيون والمنصات عموماً حكراً على النجوم «المكرسين» بالمعايير التقليدية، في كل مجال.. رياضة أو فن أو اقتصاد. يحتاج المجتمع إلى أن يسمع أصوات طيف واسع من أصحاب القصص والهمم من عامة الناس.. لأن هؤلاء لا صوت لهم إلا الإعلام.. هو الذي يستطيع أن يسلط الضوء على قضاياهم، وهو الذي يمكنه المساهمة بفعالية في دمجهم بسلاسة وسهولة، ليحظى المجتمع بمزيد من التنوع الحيوي وليحصلوا هم على حقوقهم الأساسية في الحياة بصورة طبيعية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©