دينا جوني وخلفان النقبي (أبوظبي)
المدمن.. جانٍ أم ضحية؟ كيف ننقذ أبناءنا من الوقوع في براثن المخدرات والإدمان بأشكاله كافة؟
وكيف نتخلص من هذا الكابوس الجاثم على صدور الأسر والمجتمع، والذي يهدد شبابنا ومستقبلهم بالضياع؟ هل هي مسؤولية الأسرة فقط، أم المجتمع والجهات المختصة، سواء كانت رقابية أم توعوية؟
إنها مسؤولية الجميع، فاليقظة التامة مطلوبة من الكل حتى لا ينضم كل يوم ضحايا جدد من شبابنا إلى عالم الإدمان الذي لا يرحم، ولا ينجو منه إلا القليل، بسبب المغريات الكثيرة في هذا العصر، وأصدقاء السوء الذين يغرون أبناءنا بدخول هذا العالم تحت وهم التجربة وتحقيق السعادة، وما هذا إلاّ محض تخيلات في عقولهم فقط!
إن جيل اليوم هم عماد المجتمع، وإن لم نستطع حمايتهم من الوقوع في فخ آفة الإدمان وهم في سن الربيع، فسيكون خريفهم مبكراً وحتمياً، الأمر الذي يؤثر على الأسرة واستقرارها وبالتالي المجتمع، وهنا مكمن الخطورة، فظاهرة الإدمان إن زادت في أي مجتمع، تعد مؤشراً خطراً على مستويات عدة، لذلك تحرص الدولة والجهات المختصة والأسرة على توعية الشباب والأبناء والطلاب بخطورة هذه الظاهرة، وفي هذا السياق تم إنشاء العديد من المراكز المتخصصة لعلاج الإدمان في الإمارات، وقد نجحت هذه المراكز خلال سنوات عدة في الوصول بعدد كبير من المدمنين إلى مرحلة التعافي. وتشير الإحصائيات في الإمارات إلى أن هناك انخفاضاً كبيراً وملحوظاً في عدد المتعاطين من هم دون الـ 18 عاماً في 2021، وفي عام 2020، وذلك بفضل جهود الدولة والجهات المعنية التي تقف بالمرصاد لعصابات التهريب، والمروجين، عبر تغليظ العقوبات القانونية على هؤلاء المجرمين، وكذلك بفضل التصدي للمخاطر والآثار التي تنتج عن هذه الظاهرة، عبر استراتيجيات وسياسات وخطط تستهدف تعزيز الوعي بخطورة المخدرات وإعادة المدمنين إلى جادة الصواب وطريق الأمل والصحة، والابتعاد عن دروب المآسي.
وفقاً للتقرير السنوي لجرائم المخدرات لعام 2020 الذي تصدره الإدارة العامة لمكافحة المخدرات الاتحادية بوزارة الداخلية، فقد بلغ عدد المتهمين المضبوطين على المستوى المحلي في جرائم المخدرات 6973 متهماً، وبلغت الكميات المضبوطة على مستوى الدولة في العام الماضي 18 ألفاً و3 كيلوجرامات، وهذه القراءات الإحصائية تشير إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها أجهزة المكافحة للتصدي لهذه الآفة.
اقرأ أيضاً: «التعليم الإماراتي».. معايير عالمية للوقاية من المخدرات
وأكد العميد طاهر غريب الظاهري، مدير مديرية مكافحة المخدرات، أن هناك انخفاضاً كبيراً وملحوظاً في عدد المتعاطين من هم دون الـ 18 عاماً في 2021، مشيراً إلى أنه من الأسباب التي تؤدي إلى التعاطي والإدمان، حب التجربة ومشاهدة الأفلام التي تختص في تناول شخصية زعيم العصابة أو مروج المواد المخدرة، والذي لدية شخصية قيادية ومحبوبة، حيث إن العصابات الإجرامية التي تختص في نشر المواد المخدرة نجحت وتمكنت بالوصول إلى خفض التكلفة الإنتاجية لها، مع البقاء على أسعار البيع كما هي، بل إنها زادت عن السابق، كما أن من أكثر الجهات المسيطرة على تجارة المخدرات عالمياً هم جماعات المنظمات الإرهابية، ويعتبر مدخول الأموال الناتجة عن تجارة المواد المخدرة مصدراً رئيساً لتمويل هذه الجماعات، وبالنسبة لدولة الإمارات فهي قريبة جغرافياً من بعض الدول المنتجة للمواد المخدرة، لذلك موقعها الجغرافي وطبيعتها وأنظمتها وطبيعتها السياحية جعلها مطمعاً لبث هذه السموم في الدولة.
وأضاف الظاهري أن المشرع الإماراتي في القانون السابق، أعطى فرصة للشخص المتعاطي، والذي يود أن يعود للطريق الصحيح، وذلك عن طريق تقديم نفسه للعلاج أو عن طريق ذويه أو زوجة أو أحد أقارب حتى الدرجة الثانية إلى الشرطة أو النيابة العامة طالباً للعلاج حتى يتفادى العقوبة، ولكن بعض المروجين أساؤوا استغلال هذه المادة القانونية للترويج وتعاطي المخدرات، وأصبحوا يرغبون الشباب عن طريق أفكار تضليلية مثل «أن هذه المواد المخدرة منشطة تساعد على الممارسات الجنسية، وتنشط الذهن، وتساعد على المذاكرة، وتتخلص من الوزن الزائد، وغيرها الكثير من الأفكار المضرة التي تسحب الشباب إلى قاع الإدمان»، بالإضافة إلى أن المروجين يستخدمون القانون على أنه بسيط وهو أن تدفع غرامة مالية لا أكثر في حال تم ضبط الشاب، وهنالك الكثير من أفراد المجتمع الذين وقعوا ضحايا لهؤلاء المروجين والذين كانوا مقتنعين بفكرة لا وجود للعقاب في تعاطي المواد المخدرة، وكان لديهم فضول وحب التجربة وتأثر بأصدقاء السوء، أو البيئة الاجتماعية، حيث إنهم وقعوا تحت خداع هذا الكلام الكاذب.
وبين الظاهري، أن هناك سبباً مهماً تمت ملاحظته من خلال احتكاكنا مع المتعاطين المباشرين، وهو أن هنالك قناعة فقط للتجربة ويستطيع الشخص أن يبتعد عن التعاطي، ولكن للأسف لم يستطيعوا التوقف عن التعاطي، حيث إن الإدمان من الممكن أن يكون من أول مرة، وهنا يعتمد الشخص على المواد المخدرة ويدمنها، وفي حال عدم توفر المواد المخدرة يصاب بحالات انسحابية مثل الصداع والآم في مختلف أماكن الجسم والتقيؤ، وعدم السيطرة على أماكن خروج الفضلات من الجسم.
وقال الظاهري: تم تعديل القانون الاتحادي رقم 30 لسنة 2021 في شأن مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، والذي يطبق في 2 يناير 2022، والسبب الجوهري لتعديل هذا القانون هو تغطية أمور مستحدثة لم تكن موجودة سابقاً، ويتم إغلاق الثغرات الموجودة في القانون القديم، من أهمها التحويلات المالية بهدف شراء المواد المخدرة أو تسهيل تعاطيها، حيث إن القانون قديماً لم يكن يجرّم أي شخص يفتح حساباً بنكياً، وأن يجعله مخصصاً لإيداع المبالغ من شراء مواد مخدرة وتحويلها إلى تجار المخدرات، سواء داخل أو خارج الدولة، أما الآن فقد أصبح القانون الجديد يجرم هذه الحادثة. بالإضافة إلى أن القانون القديم لم يكن يجبر المدمن للتقديم على العلاج أو طلب من ذويه في حال كان المدمن رافضاً فكرة العلاج بتاتاً، وحتى الآن لا يوجد عامل الإجبار، ولكن في الماضي إذا رفض الشخص لا يخضع للعلاج وفي الوقت نفسه لا تقوم عليه دعوة جزائية، لكن الآن تم تعديل القانون في حال إنه إذا تقدم أحد ذويه لطلب العلاج وهو رفض، هنا تقام عليه الدعوة الجزائية، بالإضافة إلى أن من التحديثات والتعديلات المهمة في القانون هو في حال وصول المسافرين من مواطنين أو مقيمين أو زوار إلى دولة الإمارات، وهم يحملون «منتجات» عبارة عن حلويات أو أنواع الشوكولاتة أو عصائر أو غيرها، وتحتوي على المواد المخدرة، يتم إعطاؤهم فرصة لمرة واحدة في حال تم ضبطه أثناء دخول الدولة من أي منفذ، وعدم إدراكه وجهله بأن هذا المنتج يحتوي على مواد مخدرة، يتم مصادرة المنتج من قبل الجهات الجمركية، ويتم توقيع على تعهد بعدم التكرار، ولكن في القانون القديم يتم معاملة الشخص الذي يحضر منتجاً به مواد مخدرة على أنه جلب مواد مخدرة ويتم أخذ الإجراء اللازم.
إحدى الضبطيات
وأطاحت «شرطة أبوظبي»، بالتعاون مع شركائها شبكات منظمة لترويج المخدرات تضم 142 عنصراً إجرامياً من جنسيات مختلفة وبمناطق متفرقة في مختلف إمارات الدولة، وضبطت بحوزتهم 816 كيلو جراماً من المواد المخدرة في عدة قضايا عابرة للحدود، وذلك في سبتمبر 2021، حيث إن زعماء العصابات استخدموا أرقام الهواتف الدولية لنشر الدعايات بشكل عشوائي لترويج المواد المخدرة ونتيجة لأعمال البحث والتحري تمكنت مديرية مكافحة المخدرات من الإطاحة بالمروجين المقيمين داخل الدولة أثناء محاولتهم وضع المخدر في مواقع متفرقة للتسليم «لوكيشنات» لتوجه لهم «شرطة أبوظبي» ضربة موجعة قصمت ظهور المروجين وتجار المخدرات، وتم ضبطهم متلبسين بالجرم المشهود وإحالتهم للجهات القضائية. وتم توجيه رسالة للجمهور في حال وردته رسائل تروج للمواد المخدرة عدم التعامل معها نهائياً وحظر الرقم، والإبلاغ فوراً عبر التواصل مع «خدمة أمان» على الرقم 8002626.
استشارات قانونية
وأشار المحامي إبراهيم خوري، إلى أنه في القانون الجديد والتحديث الأخير، ينظر القانون للمدمن على أنه مريض وليس مدمناً، لذلك تم إعطاؤه فرصتين، حتى يرجع لعقله وقراراته الصائبة، ويعمل على نفسه حتى يصبح عضواً فعالاً في المجتمع بعيداً عن الإدمان ومخاطرة، كما تم توفير مراكز تأهيل في دولة الإمارات، حتى يتم تأهيل ومعالجة المدمن حتى يعود لحياته الطبيعية ويندرج تحت الحالات الطبيعية وينخرط بين أفراد المجتمع، وذلك عن طريق توفير دورات ومحاضرات وجدول يومي لمرضى الإدمان حتى يتخلص من الإدمان ويصل إلى قمة التعافي، كما يتم توفير وظيفة لكل عاطل عن العمل في المؤسسات المجتمعية حتى لا يعود إلى حياته السابقة التي سببت له الكثير من المشكلات النفسية والصحية والمجتمعية والمادية.
قانون اتحادي
وينص المرسوم بقانون اتحادي رقم 30 لسنة 2021 في شأن مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، على التعديلات الجديدة فقط، وما عدا ذلك من مواد فهو معمول بها سابقاً، وذلك ابتداءً من 2 يناير 2022، إذ إن المادة «7» تتضمن: إنشاء مراكز متخصصة لتنفيذ عقوبة الحبس لجرائم التعاطي والاستخدام الشخصي، ويخضع الشخص لبرنامج العلاج والتأهيل المناسب والتدريب الرياضي والأسري، إذا ارتكب الشخص الجريمة وعاد للمرة الثانية للتعاطي خلال 3 سنوات من الجريمة الأولى كانت العقوبة الحبس 6 أشهر أو الغرامة التي لا تقل عن 30 ألف درهم، ولا تزيد عن 100 ألف درهم، إذا ارتكب الجريمة للمرة الثالثة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين والغرامة التي لا تقل عن 100 ألف درهم.
وبالنسبة لتعاطي المؤثرات العقلية «الحبوب» كمثال، الحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر، أو بالغرامة التي لا تقل عن 10 آلاف درهم ولا تزيد عن 100 ألف درهم في كل من تعاطى المؤثرات العقلية، وإذا ارتكب الشخص الجريمة وعاد للمرة الثانية للتعاطي خلال 3 سنوات من الجريمة الأولى كانت العقوبة الحبس 6 أشهر أو الغرامة التي لا تقل عن 50 ألف درهم، ولا تزيد عن 200 ألف درهم، إذا ارتكب الجريمة للمرة الثالثة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر والغرامة التي لا تقل عن 50 ألف درهم ولا تزيد عن 200 ألف درهم.
بالإضافة إلى أنه يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات والغرامة التي لا تقل عن 50 ألف درهم كل من دعا أو حرض شخصاً على التعاطي أو سهل له ذلك، ويعتبر ظرفاً مشدداً إذا وقع هذا التحريض في أماكن التجمعات أو في دور التعليم أو المؤسسات الرياضية ودور العبادة وأماكن الحبس أو إذا وقعت على أنثى أو طفل أو شخص مريض عقلياً أو نفسياً أو في حالة سكر أو تخدير ظاهري. يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 5 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 20 ألف درهم كل من دس المواد المخدرة في الطعام أو الشراب بقصد إضرار الغير، أي جعله يتعاطى من دون علم منه، وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن 10 سنوات إذا جعله مدمناً على التعاطي، وتكون العقوبة السجن المؤبد أو الإعدام إذا ترتب عليه موت المجني عليه، ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 10 سنوات كل من أكره غيره على التعاطي، وتكون العقوبة السجن المؤبد أو الإعدام إذا ترتب عليه موت المجني عليه.
ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 10 سنوات، والغرامة التي لا تقل عن 100 ألف درهم كل من أدار أو أعد أو هيأ مكاناً للتعاطي، وتكون العقوبة السجن المؤبد في حالة العود والتكرار، ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على سنة والغرامة التي لا تقل عن 10 آلاف درهم ولا تزيد على 20 ألف درهم كل من ضبط في مكان للتعاطي وهو يعلم بذلك. ولا يسري ذلك على زوج أو أصول أو فروع من أدار وهيأ المكان، يعاقب بالحبس أو الغرامة إلى لا تقل عن 50 ألف درهم كل من أودع أو حول أموالاً بنفسه أو بوساطة الغير أو قبل تحويلها للداخل أو الخارج بقصد التعاطي، ولا يعاقب كل من تقدم من تلقاء نفسه أو زوجه أو أحد أقارب حتى الدرجة الثانية إلى الشرطة أو النيابة العامة طالباً العلاج.
الأسباب الطبية والنفسية
تحدثت الدكتورة أغنيشكا ويلتنكسا استشارية الطب النفسي الإكلينيكي في مدينة برجيل الطبية وأستاذ علم النفس في جامعة الإمارات، عن الأسباب النفسية لتعاطي المخدرات أو إدمانها، موضحة أن البداية تكون في تعاطي المراهقين المخدرات وإدمانها، وغالباً تُتعاطى المخدرات للمرة الأولى في أوساط اجتماعية يسهل فيها الحصول على المخدرات مثل الكحوليات والسجائر، وقد يرجع الاستمرار في تعاطيها إلى عدم الشعور بالأمان أو الرغبة في كسب القبول الاجتماعي، حيث يشعر المراهقون بأنهم لا يُقهرون وربما لا يتدبرون عواقب أفعالهم، ما يؤدي بهم إلى المجازفة الخطيرة بتعاطي المخدرات.
وأكدت أن للأسباب النفسية دوراً كبيراً في توجيه سلوك الإنسان نحو الإدمان، وفي العادة فإن الإنسان يمكن أن يلجأ للإدمان، لأنه يجد فيه الراحة النفسية في التعامل مع المشكلات المحيطة به أو صعوبات الحياة المختلفة، وهذا بالطبع شعور زائف، لأن التعاطي يهيئ للمدمن أنه قد حصل على كل أسباب السعادة، وبالتالي فإن تعاطيه لمادة مخدرة أو مهدئة، وكذلك ممارسته لنشاط معين يبعث في نفسه الشعور بالبهجة، ويعطي مجالاً للتعود عليه، ويحرر مشاعره من حالة العجز التي يعيشها.
وأشارت إلى أن إحساس الأشخاص بقلة تقدير الذات والشعور بالرفض الاجتماعي تعد من عوامل الخطر الأكثر شيوعاً بين الشباب والتي تؤدي للتعاطي، إلى جانب المشكلات السلوكية مثل الاكتئاب أو القلق، أو الوقوع ضحية لسوء المعاملة.
ولفتت إلى أهمية دور الأهل بملاحظة أي تغيير غير طبيعي أو اعتيادي في أبنائهم والذي قد يكون إشارة للدخول في طريق الإدمان، وبالتالي يجب على الأهل التشجّيع على الصدق، وعند الحديث مع أبنائهم لابد أن يكون الأسلوب هادئاً وأن يظهر الأهل للابن أن هذه النصيحة نابعة من اهتمامهم وخوفهم عليه، والتحدث عن أن تعاطي المخدرات أمر خطير، أيضاً من المهم جداً أن يتابع الأهل الابن خلال أوقات الفراغ وتخصيص أوقات ذات أنشطة مختلفة تجمع أفراد العائلة، وتكون محببة للجميع بحيث لا يكون هناك فرصة للتفكير بأي أمور أخرى أو البحث عن تجربة شيء جديد، ومحاولة معرفة الأماكن التي يتردد عليها المراهق وملاحظة وقت العودة للمنزل، أيضاً من المهم أن يلجأ الأهل لاستشارة الطبيب المختص والحصول على النصيحة المناسبة من مقدمي الرعاية الصحية عند ملاحظة أي تغيرات غير طبيعية.
مستويات الوقاية
نشر المركز الوطني للتأهيل في أبوظبي، عبر موقعة الإلكتروني، أنه يمكن تقسيم الوقاية في مجال إدمان المواد المخدرة والمؤثرات العقلية إلى ثلاثة مستويات رئيسة: المستوى الأول، يهدف إلى منع الشخص من تعاطي الدواء المخدرة أو الدخول في دائرة الإدمان، ويتم التركيز في هذه المرحلة على نشر التوعية بشكل عام عن مخاطر المواد المخدرة وطرق الوقاية منها وكيفية التعامل مع عوامل الإخطار التي قد تؤدي إلى الوقوع في براثن الإدمان، ويشمل أيضاً بناء مهارات معينة لدى الفئة المستهدفة، خاصة المراهقين والشباب تساعدهم في تجاوز المواقف التي قد تعرّضهم لخطر الإدمان بشكل سليم.
والمستوى الثاني، وفي هذه المرحلة يتم التدخل المبكر وعلاج الشخص المصاب بمرض الإدمان في المراحل الأولى من المرض من أجل منع تطور المرض وعدم حصول الانتكاسة، أما المستوى الثالث، فيتم فيه محاولة تقليل الآثار السلبية لمرض الإدمان مثل: عدم الإصابة بأمراض معدية أو عدم حصول مضاعفات خطيرة قد تؤدي إلى الوفاة.
إرشادات ونصائح
أشارت خولة خالد الجابري مساعد أخصائي علم نفس في مدينة برجيل الطبية، إلى بعض الإرشادات التي ينصح باتباعها أفراد الأسرة عند وجود شخص مدمن بين أفرادها، وتمثلت في ضرورة الترابط الأسري والدعم للشخص المدمن، وضرورة مشاركة الأهل في مرحلة الإقلاع عن الإدمان، كما يجب أن يتم التحدث مع الشخص المدمن عن الإدمان وأضراره الجسدية والنفسية، موضحه أن الدعم العائلي للمدمنين يكون في عدة جوانب، كالدمج الاجتماعي والدور التوعوي وتحفيز الوازع الديني والتركيز على تقوية الترابط الديني والاجتماعي، وحثهم على المشاركة ودمجهم في المجتمع، وضرورة أن يكونوا عنصراً منتجاً وفاعلاً والبدء بحياة جيدة، وحثهم على تناسي ما مروا به في السابق، وزرع الأمل بأن القادم أفضل.
وأضافت: «أيضاً من المهم عدم التحدث للمدمن وتذكيره بتلك الأوقات، مع استمرار الاهتمام بمرحلة ما بعد الإدمان والانتباه إلى عدم العودة إليه، ولكي يتحقق ذلك يكون دور العائلة هنا مهماً من خلال تعزيز الاستقرار الأسري والوظيفي، والتركيز على تعريف المدمن بالرفاق الصالحين لدورها المحوري في تخطي الإدمان، وعدم الرجوع إليه».
نفق مظلم لا نهاية له
عبدالله سعيد الريسي، يعمل اليوم مدرب برنامج للتعافي في المركز الوطني للتأهيل بأبوظبي، كان بالأمس أحد الذين تاهت بهم السبل نحو الوصول إلى فخ تعاطي المواد المخدرة، حيث يجد في نفسه مصدراً لإلهام غيره، خصوصاً أنه كان شاهد عيان على المآسي والآثار السلبية الناجمة عن تعاطي المواد المحظورة.
وقال: وقعت في براثن المخدرات خلال رحلة سفري إلى إحدى الدول، حيث دفعني لذلك حب الفضول والرغبة في التجربة، ونظراً لعمري الصغير آنذاك، حيث كنت لا أدرك جيداً الأخطار الناجمة عن تجربة المواد المخدرة وأثرها الوخيم على الحياة ودورها في إضعاف الشخص، بدنياً ومعنوياً وتأثيرها على مسارات الدراسة والمهنة.
وأضاف: إن تجربة الإدمان تشبه النفق المظلم الذي لا نهاية له، حيث خسرت السعادة وفقدت الأهل والطموح الذي كنت أريده، كما فقدت الثقة والطمأنينة والأمان، وتملكني الرعب والخوف والقلق وجميع المشاعر السلبية، والتي جعلتني لا أعرف أين أذهب في الحياة، وكيف لي أن أعود إليها من جديد.
وأشار إلى أنه اتجه إلى المركز الوطني للتأهيل، وذلك بنصيحة من أحد أقاربه والذي طرح عليه فكرة العلاج في المركز، يقول: رفضت في البداية، إلا أنني قررت الموافقة لاحقاً لأتلقى العلاج المناسب، وبجهود الكادر الطبي والعاملين في المركز، وجدتني تدريجياً أتعافى من الإدمان وأقلعت عن التعاطي، وبدأت في حياة جديدة مختلفة، وذلك بعد عامين من العلاج في العيادات الخارجية للمركز.
ولفت إلى أنه يدرك جيداً التحديات التي يواجهها المتعاطي الراغب في الإقلاع عن هذه الصفة السيئة، وهو الأمر الذي يجعله قريباً منهم، وحريصاً على تقديم النصح والإرشاد والتوجيه للمدمنين، انطلاقاً من المسؤولية المجتمعية وحرصه على مجتمعه، ورغبته في العمل والعطاء والبذل لأجل مد أيدي التعافي والأمل إليهم.