عدد اليوم
محمد نجيم (الرباط)
بشحنة بصرية قوية ولافتة، يأخذنا الفنان التشكيلي المغربي أنس البوعناني إلى عوالم لوحاته الفنية المعروضة في الرباط تحت عنوان «ماء ورمال»، لوحات بأحجام مختلفة ينقل لنا فيها الفنان أنس تصوراته الجمالية بمزيجٍ من حركات الريشة والألوان المشرقة والفاتحة، يعبر فيها عن صرخاته الداخلية المشحونة بالرؤى والمُحملة بالقلق والفوضى الداخلية، حيث يلتقي الضوء ليعانق مساحات الفراغ مشكلاً في النص البصري جمالية ورؤية تشكيلية ببصمة خاصة تنهل من الرؤية الحديثة والمعاصرة، وبوعي جمالي يكشف عمق الأشياء في الحركة والسكون والظلال والعتمة والفراغ والامتلاء، في تناغم جمالي بين الشكل والعلامة وبين الظاهر والخفي.
لوحات أنس البوعناني، كما وصفها الناقد الجمالي الفرنسي طوني مرايني، تستكشف عالماً من الطاقات السائلة والمشاهد والمناظر الطبيعية، حيث تتكشف المياه والبحر وجوهرها وحركتها وموادها في أشكال وخلائط متعددة، سواء كانت شفافة ومتدفقة، أو مخلوطة، مضطربة ومتشابكة مع عناصر ذات طبيعة واتساق مختلفين، فإنها تشكل، بين السماء والأرض، العنصر التأسيسي لشاعرية التقلبات. دراما رمزية حيث الأمواج والجداول والدوامات توحي بالعديد من الاستعارات على المياه وهذا البحر.
أما الناقد والفنان التشكيلي بنيونس عميروش، فقد وصف تجربة الفنان أنس البوعناني، في حفل الافتتاح بكونها تتقدم بخطى حثيثة دون أن تحدث قطائع تجعل الآني مفصولاً عن السابق، إذ يُمْسِك بمواده الحيوية والسائلة باستمرار ليجعلها، في كل مرة، مَرنة أكثر فأكثر، سائرة في تمجيد المَدّ والجَزْر. غير أن السَّيَلان هنا، لا يتخذ وجهة محدَّدَة أو مُؤطَّرة، بل يظل مفتوحاً على الظاهر والمُتَواري واللّانهائي، بحيث تمتزج داخله مختلف التَّدافُعات المادية الموصولة بالدينامية والليونة، التي تُسعف سَيْر التخطيط والتجديف إلى حيث تسكن مراسي الذات والطفولة المُترعة بالنور والموج والرمل. هي عناصر البوغاز، مفترق «المتوسط» و«المحيط»، البيئة التي نشأ في وسطها المُشِعّ، بأصيلة التي وطد ارتباطه بفصول مَواسمها الثقافية، ودأب على مشاركاته في محترفاتها وأعراسها الجدارية منذ نعومة أظافره.
أعمال أنس البوعناني، يقول بنيونس عميروش: تأتي باقة ألوان ساخنة لتُزْهِر بدورها تحت سلطة الأزرق، إذ يستحضر دِفْءُ الأصفر والترابي والأوكر فِعل التَّساكن مع الرمل والقاع البحري، في عملية الدفع بنا نحو اليابِسَة، لتدوير الزمان واستعادة المدينة الحميمَة من خلال الفضاء المبسوط بين السماء والأرض، فضاء العالم الذي يقتلع منه الفنان أنس البوعناني تفصيلاته، المختزلة والموحية بإصرار إبداعي صوفي وبارع.
